وَقَالَ آخَرُ:
إذَا مَا الْفَتَى لَمْ يَنْعَ إلَّا لِبَاسَهُ ... وَمَطْعَمَهُ فَالْخَيْرُ مِنْهُ بَعِيدُ
يُذَكِّرُنِي صَرْفُ الزَّمَانِ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأَهْرُبَ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ مَحِيدُ
فَلَوْ كُنْت ذَا مَالٍ لَقُرِّبَ مَجْلِسِي ... وَقِيلَ إذَا أَخْطَأْت أَنْتَ رَشِيدُ
وَقَالَ آخَرُ:
ذَهَابُ الْمَالِ فِي أَجْرٍ وَحَمْدٍ ... ذَهَابٌ لَا يُقَالُ لَهُ ذَهَابُ
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ ذُلِّ الْمَعَاصِي إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ أَغْنَاهُ بِلَا مَالٍ وَآنَسَهُ بِلَا مُؤْنِسٍ، وَأَعَزَّهُ بِلَا عَشِيرَةٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .
وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَك تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَاعْمَلْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْك تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَكُنْ أَوْرَعَ النَّاسِ» ، وَعَنْهُ أَيْضًا «الْفَقْرُ أَزْيَنُ بِالْمُؤْمِنِ مِنْ الْعِذَارِ عَلَى خَدِّ الْفَرَسِ» .
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَارِثَةَ خَيْرُ الْغِنَى الْقَنَاعَةُ، وَشَرُّ الْفَقْرِ الْخُضُوعُ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ إنَّمَا الْفَقْرُ، وَالْغِنَى بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
مَا شِقْوَةُ الْمَرْءِ بِالْإِقْتَارِ مَقْتَرَةً ... وَلَا سَعَادَتُهُ يَوْمًا بِإِيسَارِ
إنَّ الشَّقِيَّ الَّذِي فِي النَّارِ مَنْزِلُهُ ... وَالْفَوْزُ فَوْزُ الَّذِي يَنْجُو مِنْ النَّارِ
كَانَ يُقَالُ الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى، وَالْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، وَقَالُوا: حَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ فِي الْغِنَى، وَالْفَقْرِ، فَفِي الْغِنَى الْعَطْفُ، وَالشُّكْرُ، وَفِي الْفَقْرِ الْعَفَافُ، وَالصَّبْرُ وَكَانَ يُقَالُ: الْغِنَى فِي النَّفْسِ، وَالشَّرَفُ فِي التَّوَاضُعِ، وَالْكَرَمُ فِي التَّقْوَى.
وَقَالَ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ: أَفْضَلُ بَيْتٍ فِي الشِّعْرِ قِيلَ: فِي الْأَمْثَال:
يَقُولُونَ يَسْتَغْنِي وَوَاللَّهِ مَا الْغِنَى ... مِنْ الْمَالِ إلَّا مَا يُعِفُّ وَمَا يَكْفِي
وَكَانَ يُقَالُ: خَصْلَتَانِ مَذْمُومَتَانِ الِاسْتِطَالَةُ مَعَ السَّخَاءِ، وَالْبَطَرُ مَعَ الْغِنَى.