وَيَجْمَعُونَهُ يَمُرُّ بِهِمْ مُجْتَازًا غَيْرَ ثَابِتٍ فِيهِمْ وَلَا بَاقٍ عِنْدَهُمْ، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الْبَطَالَاتِ الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إلَّا فِي تَرْجِئَةِ الْأَيَّامِ بِالْبَاطِلِ، فَلَا هُمْ فِي عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ. وَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي نَظْمِ صَاحِبِ النَّظْمِ.
وَجَعْلُ الصَّغِيرَةِ فِي الْكَبِيرَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَقَدْ عُمِلَ بِهِ فِي الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ بِخَاصٍّ فِي الصَّغَائِرِ لِيُخَصَّ بِهِ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ. وَالْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ الصَّغَائِرَ تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهُمَا فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالْكَبَائِرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا كُفِّرَتْ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ ظَاهِرُهُ لَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ صَغِيرَةً كَالتَّوْبَةِ مِنْهَا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِحْبَاطُ وَإِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ أَنْ لَا يُعَاقَبَ عَلَى صَغِيرَةٍ بَلْ تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الْحَسَنَاتِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ: لَا يَجُوزُ الْإِحْبَاطُ وَيُعَاقَبَ عَلَى السَّيِّئَةِ وَيُجَازَى بِالْحَسَنَةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ يَجُوزُ أَنْ تُغْفَرَ فَلَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَمْثَالُهُ: حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١]
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُفْرُ فَقَطْ. وَقَالُوا: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]
أَيْ إنْ شِئْنَا وَجَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute