إبَاحَةِ جُلُوسِ الْمَرْءِ كَيْفَ أَحَبَّ مَا لَمْ يَضَعْ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ أَوْ يَسْتَلْقِي كَذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِلْقَاءِ وَالْقُعُودِ كَمَا قَدَّمْنَا فَمِنْ مَانِعٍ وَمُبِيحٍ.
فَسَوَّى ابْنُ حَزْمٍ فِي حِكَايَتِهِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ وَالْقَوْلُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَصْلُ التَّسَاوِي فِي الْأَحْكَامِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَقَدْ فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَسَبَقَ قَبْلَ فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ قَبْلَ فَصْلِ اسْتِحْبَابِ الْقَائِلَةِ كَرَاهِيَةُ الِاتِّكَاءِ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَسَبَقَ قَبْلَ فُصُولِ آدَابِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ فَصْلِ الْكَفِّ عَنْ مَسَاوِي النَّاسِ كَلَامُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَرَاهَةِ الِاتِّكَاءِ، وَسَوَاءٌ وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ تَجَبُّرٌ.
وَقَوْلُهُ أَهَوَانٌ بِالْجُلَسَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْجَمَاعَةِ بَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ لِعِلَّةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ لِعِلَّتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ فِي جَمَاعَةٍ وَسَبَقَ بِنَحْوِ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ فِي فُصُولِ آدَابِ الْمَسْجِدِ جِلْسَةُ الْمُحْتَبِي وَالْمُتَرَبِّعِ وَتَأْتِي جِلْسَةُ الْمُتَرَبِّعِ فِي اللِّبَاسِ فِي فَصْلِ كَرَاهَةِ النَّظَرِ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَكْرَهُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهَا قَالَ: إي وَاَللَّهِ، يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَرِهَهُ وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ عَزَبٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ «كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَقِيلُ فِيهِ.» وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَفْظُهُ «كُنَّا نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ شَبَابٌ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَتَّخِذُوهُ مَقِيلًا وَمَبِيتًا قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: عَنْ أَنَسٍ: «قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ فُقَرَاءَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَاِتَّخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute