وَقَالَ آخَرُ:
لَا يُعْجِبَنَّكَ مَنْ يَصُونُ ثِيَابَهُ ... حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذُولُ
وَلَرُبَّمَا افْتَقَرَ الْفَتَى فَرَأَيْتَهُ ... دَنِسَ الثِّيَابِ وَعِرْضُهُ مَغْسُولُ
وَرُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقَنُّعُ بِاللَّيْلِ رِيبَةٌ وَبِالنَّهَارِ مَذَلَّةٌ، قَالَ رَجُلٌ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَا أَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ: مَا لَا يُشْهِرُك عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحَقِّرُك عِنْدَ السُّفَهَاءِ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ» «وَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا فَقَالَ أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ» وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا اتَّسَخَ تَقَطَّعَ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ، وَالثِّيَابُ النَّقِيَّةُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مُرُوءَةُ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبِهِ وَعَلَى ظَاهِرِ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ يَجِبُ غَسْلُهُ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِي الْخَبَرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ» قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ.
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الْأَخْضَرِ فِي تَسْمِيَتِهِ مَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُوزَجَانِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ خَلْفَهُ مِنْ عِمَامَتِهِ كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِرْخَاءُ الذُّؤَابَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَّةِ وَإِطَالَةُ الذُّؤَابَةِ كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ اسْتِحْبَابُ الذُّؤَابَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ كَالتَّحَنُّكِ وَمُقْتَضَى ذِكْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْعَالِمِ فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ فَيَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ وَلِهَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ، وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ.
قَالَ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute