لِئَلَّا يَثْبُتَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاشْغَلُوهُمْ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتُعْجَنَ بِهَا طَبَائِعُهُمْ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُسَدَّدٍ: وَلَا تُشَاوِرْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فِي دِينِك، وَلَا تُرَافِقْهُ فِي سَفَرِك وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْهَى عَنْ مُخَالَطَةِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ، وَيَأْمُرُ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَمُخَالَطَةِ الصَّالِحِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: أَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ وَيُقَالُ إنَّهَا لَهُ:
إنْ صَحِبْنَا الْمُلُوكَ تَاهُوا وَعَقُّوا ... وَاسْتَخَفُّوا كِبْرًا بِحَقِّ الْجَلِيسِ
أَوْ صَحِبْنَا التُّجَّارَ صِرْنَا إلَى الْبُؤْسِ ... وَعُدْنَا إلَى عَدَّادِ الْفُلُوسِ
فَلَزِمْنَا الْبُيُوتَ نَسْتَخْرِجُ الْعِلْمَ ... وَنَمْلَأُ بِهِ بُطُونَ الطُّرُوسِ
وَقَالَ الْقَاضِي يَرْوِي عَنْ شَيْخِنَا إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَزَارَهُ الْمُعْتَضِدُ وَقَرَّبَهُ وَأَجَازَهُ فَرَدَّ جَائِزَتَهُ فَقَالَ لَهُ: اُكْتُمْ مَجْلِسَنَا وَلَا تُخْبِرْ بِمَا فَعَلْنَا وَبِمَا قَابَلْتنَا بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَرْبِيُّ لِي إخْوَانٌ لَوْ عَلِمُوا بِاجْتِمَاعِي لَهَجَرُونِي.
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَضْلِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهَذِهِ إشَارَةٌ فِيهَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ أَنَا أَقُولُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ الصَّدَاقَةِ اكْتِسَابُ نَفْسٍ إلَى نَفْسِك، وَرُوحٍ إلَى رُوحِك وَهَذَا الْحَدُّ يُرِيحُك عَنْ طَلَبِ مَا لَيْسَ فِي الْوُجُودِ حُصُولُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَك الْأَصْلِيَّةَ لَا تُعْطِيكَ مَحْضَ النَّفْعِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ إضْرَارٌ فَالنَّفْسُ الْمُكْتَسَبَةُ لَا تَطْلُبُ مِنْهَا هَذَا الْعِيَارَ وَقَدْ بَيَّنْت الْعِلَّةَ فِي تَعَذُّرِ الصَّفْوِ الْخَالِصِ وَهِيَ تَغَايُرُ الْأَمْزِجَةِ، وَتَغْلِيبُ الْأَخْلَاطِ، وَاخْتِلَافُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فَإِنْ رَطِبَ وَرَاقَ بِالْمَاءِ وَرَقَّ بِالْهَوَاءِ ثَقُلَ وَرَسَبَ بِالتُّرَابِ، وَإِنْ شَفَّ وَصَفَا بِالرُّوحِ كَثُفَ وَكَدُرَ بِالْجَسَدِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ بِالْعَقْلِ تَرَنَّحَ بِالْهَوَى وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute