للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَشَعَ بِالْمَوْعِظَةِ قَسَا بِالْغُرُورِ، وَإِنْ لَطُفَ بِالْفِكْرِ غَلُظَ بِالْغَفْلَةِ، وَإِنْ سَخَا بِالرَّجَاءِ بَخِلَ بِالْقُنُوطِ.

فَإِذَا كَانَتْ الْخِلَالُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِهَذِهِ الْمُشَاكَلَةِ مِنْ التَّنَافُرِ، كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ الشَّخْصَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِالْخِلْقَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الِاتِّفَاقُ، وَالِائْتِلَافُ؟ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَفَادَتْ شَيْئَيْنِ: إقَامَةَ الْأَعْذَارِ وَحُسْنَ التَّأْوِيلِ الْحَافِظِ لِلْمَوَدَّاتِ وَالدُّخُولَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِأَنَّ مَا يَنْدُرُ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَخْلَاقِ الشَّخْصِ مَعَ الشَّخْصِ فَهُمَا الصَّدِيقَانِ، فَأَمَّا طَلَبُ الدَّوَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْإِخْلَالِ فِي ذَلِكَ وَالِانْخِرَامُ فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْقَوْلَ لِمَنْ قَالَ إنَّ الصَّدِيقَ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْوُجُودِ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا وَجَبَ إفْلَاسُ الْمُسَمَّيَاتِ.

فَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَبْدًا مَعَ ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَةِ فَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مِنْ طَرِيقِ شَوَاهِدِ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَنْطِقُ بِوَحْدَتِهِ فِيهَا بِغَيْرِ شَرِيكٍ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى الْوُجُودِ، فَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ إجَابَةِ عَادَةِ الْعَبْدِ الْمَعْبُودِ فَلَا فَمَنْ لَا يَصْفُو لَهُ اسْمُ عَبْدٍ لِرَبٍّ أَبْدَأَهُ وَأَنْشَأَهُ وَلَا يَصْفُو لِنَفْسِهِ فِي اسْمٍ نَاصِحٍ لَهَا بِطَاعَةِ عَقْلِهِ، وَعِصْيَانِ هَوَاهُ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَصْفُوَ فِيهِ اسْمُ صَدِيقٍ فَاقْنَعْ مِنْ الصَّدَاقَةِ بِمَا قَنَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْك فِي الْعُبُودِيَّةِ، مَعَ أَنَّك مَا صَفَوْت فِي الِاسْمِ فَأَنْتَ إلَى أَنْ تَكُونَ عَبْدَ هَوَاكَ وَشَيْطَانُك أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَتَهَا فِيهِ أَكْثَرُ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا اقْتَصَرَ فِي ذَاكَ عَلَى الْآدَمِيِّ بَلْ كُلُّ مَوْجُودٍ صَدَرَ عَنْ الْفَاعِلِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ لَمْ يَصْفُ مِنْ شَوْبٍ حَتَّى الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ ذَاتِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَذَا فَطَلَبُ مَا وَرَاءَ الطِّبَاعِ طَلَبُ مَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْعَنَتِ، وَالتَّنَطُّعِ وَمَنْ طَلَبَ الْعَزِيزَ الْمُمْتَنِعَ عَذَّبَ نَفْسَهُ وَجَهَّلَ عَقْلَهُ وَضَلَّلَ رَأْيَهُ، وَقَبِيحٌ بِالْعَقْلِ أَنْ يَعْتَمِدَ إضْرَارَ نَفْسِهِ وَإِتْعَابَهَا فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا بِتَعْجِيلِ التَّعَبِ ضَرَرًا وَمَعَ كَوْنِ النَّفْسِ تَطْلُبُ الْكَمَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>