للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدَاقَةِ وَفِي الْعَيْشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ظَهَرَ إلَى الْوُجُودِ نَاقِصًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي طَيِّ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ ذَلِكَ وَيَسْتَخْرِجُهُ إلَى الْوُجُودِ وَقْتَ الْإِعَادَةِ وَإِرَادَةِ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَمَنْحِهِ النَّعِيمَ الْبَاقِيَ.

ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إلَى أَنْ قَالَ: يَقْطَعُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ إنْ وَجَدْت مِنْ نَفْسِك خِلَالَ الصَّدَاقَةِ وَشُرُوطَهَا مَعَ النَّقْدِ وَالِاخْتِبَارِ مِنْ الْهَوَى لَمْ تَجِدْ لِنَفْسِك ثَانِيًا فَقُلْ مَا شِئْت مِنْ اللَّوْمِ، وَالْعَذْلِ وَالتَّوْبِيخِ وَنُحْ عَلَى أَبْنَاءِ الزَّمَانِ بِالْوَحْدَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَجِدْ ذَاكَ فِي نَفْسِك لِعَجْزِ الْبِنْيَةِ عَنْهُ فَاقْطَعْ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فَلَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَقَالَ أَيْضًا صَدَاقَةُ الْعُقَلَاءِ قَرَابَةُ الْأَبَدِ، وَمَحَبَّةُ الدُّخَلَاءِ فَرَحُ سَاعَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ: الْعَاقِلُ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ وَلَمْ يَسْكُنْ إلَى مَخْلُوقٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُبَايَنَةُ لِلْكُلِّ لَا تَصْلُحُ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا تُبْتَغَى الْمُدَارَاةُ لَا الْمَوَدَّةُ، وَالْمُسَايَرَةُ بِالْأَحْوَالِ لَا الْمُجَاهَرَةُ، وَكِتْمَانُ الْأُمُورِ مِنْ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مَهْمَا أَمْكَنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ، وَالنَّظَرُ لِلنَّفْسِ فِي مَصَالِحِهَا إلَى أَنْ قَالَ عَنْ الْفَقِيرِ لَا يُنْفِقُ إلَّا عَلَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَأَقْبِلْ عَلَيْهِ تَرَى أَعْجَبَ الْعَجَبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِغَيْرِهِ أَوْ تَمِيلَ إلَى سِوَاهُ فَتَلْقَى الْعَطَبَ وَهُوَ وَعِزَّتُهُ الَّذِي يَجِدُهُ الْمُضْطَرُّ فِي الشَّدَائِدِ وَالْمَحْزُونُ عِنْدَ الْهُمُومِ، وَالْمَكْرُوبُ عِنْدَ الْغُمُومِ احْذَرْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا دَاءٌ دَفِينٌ لَا يُؤْمَنُ تَحَرُّكُهُ.

وَقَالَ أَيْضًا: مَتَى رَأَيْت الشَّخْصَ مُعْتَدِلَ الْخِلْقَةِ حَسَنَ الصُّورَةِ فَهُوَ إلَى الصَّلَاحِ أَقْرَبُ وَمَتَى رَأَيْت ذَا عَيْبٍ فَاحْذَرْهُ مِثْلَ الْكَوْسَجِ، وَالْأَعْوَرِ، وَالْأَعْمَى فَقَلَّ أَنْ تَرَى بِأَحَدٍ آفَةً فِي بَدَنِهِ إلَّا وَفِي بَطْنِهِ مِثْلُهَا، وَإِذَا رَأَيْت عَيْبًا فِي شَخْصٍ فَلَا تُلِحَّنَّ عَلَيْهِ بِالتَّأْدِيبِ، فَالطَّبْعُ عَلَيْهِ أَغْلَبُ وَدَارِهِ فَحَسْبُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأْدِيبَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْبَذْرِ، وَالْمُؤَدَّبُ كَالْأَرْضِ مَتَى كَانَتْ الْأَرْضُ رَدِيئَةً ضَاعَ الْبَذْرُ فِيهَا وَمَتَى كَانَتْ صَالِحَةً نَشَأَ وَنَمَا فَتَأَمَّلْ بِفِرَاسَتِك مَنْ تُخَاطِبُهُ وَتُؤَدِّبُهُ وَتُعَاشِرُهُ، وَمِلْ إلَيْهِ بِقَدْرِ صَلَاحِ مَا تَرَى مِنْ بَدَنِهِ وَآدَابِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>