للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَانْظُرْ إلَى الصُّنَّاعِ وَلَا تَنْظُرْ إلَى حَائِكٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ صَاحِبِ صِنَاعَةٍ خَسِيسَةٍ فَإِنَّك وَإِنْ رَأَيْت مِنْهُ خُلَّةً جَمِيلَةً فَالْكَدَرُ أَثْبَتُ وَالتَّجْرِبَةُ قَبْلَ الثِّقَةِ، وَالْحَذَرُ بَعْدَ الْمُعَامَلَةِ وَقَلَّ مَنْ يَصْفُو فَإِنْ صَفَا فَقَلَّ أَنْ يَثْبُتَ خُذْ مِنْ النَّاسِ جَانِبًا.

وَقَالَ أَيْضًا: يَنْبَغِي لِمَنْ صَحِبَ سُلْطَانًا أَوْ مُحْتَشِمًا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ مَعَهُ وَبَاطِنُهُ سَوَاءً فَإِنَّهُ قَدْ يَدُسُّ إلَيْهِ مَنْ يَخْتَبِرُهُ فَرُبَّمَا افْتُضِحَ فِي الِابْتِلَاءِ وَأَكْثَرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَقَالَ أَيْضًا كَانَ لِي أَصْدِقَاءُ وَإِخْوَانٌ فَرَأَيْت مِنْهُمْ الْجَفَاءَ فَأَخَذْت أَعْتِبُ فَقُلْت، وَمَا يَنْفَعُ الْعِتَابُ؟ فَإِنَّهُمْ إنْ صَلَحُوا فَلِلْعِتَابِ لَا لِلصَّفَاءِ فَهَمَمْت بِمُقَاطَعَتِهِمْ فَقُلْت لَا تَصْلُحُ مُقَاطَعَتُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُلَهُمْ إلَى دِيوَانِ الصَّدَاقَةِ الظَّاهِرَةِ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحُوا لَهَا فَإِلَى جُمْلَةِ الْمَعَارِفِ وَمِنْ الْغَلَطِ أَنْ تُعَاتِبَهُمْ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: بِئْسَ الْأَخُ أَخٌ تَحْتَاجُ أَنْ تَقُولَ لَهُ اُذْكُرْنِي فِي دُعَائِك، وَجُمْهُورُ النَّاسِ الْيَوْمَ مَعَارِفُ وَيَنْدُرُ مِنْهُمْ صَدِيقٌ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْأُخُوَّةُ وَالْمُصَافَاةُ فَذَلِكَ شَيْءٌ نُسِخَ فَلَا تَطْمَعْ فِيهِ وَمَا أَرَى الْإِنْسَانَ يَصْفُو لَهُ أَخُوهُ مِنْ النَّسَبِ وَلَا وَلَدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ فَدَعْ الطَّمَعَ فِي الصَّفَاءِ وَخُذْ عَنْ الْكُلِّ جَانِبًا وَعَامِلْهُمْ مُعَامَلَةَ الْغُرَبَاءِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ بِمَنْ يُظْهِرُ لَك الْوُدَّ، فَإِنَّهُ مَعَ الزَّمَانِ يُبَيِّنُ لَك الْخَلَلَ فِيمَا أَظْهَرَهُ وَقَدْ قَالَ الْفُضَيْلُ: إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَادِقَ صَدِيقًا فَأَغْضِبْهُ فَإِنْ رَأَيْته كَمَا يَنْبَغِي فَصَادِقْهُ وَهَذَا الْيَوْمُ مُخَاطَرَةٌ؛ لِأَنَّك إذَا أَغْضَبْت أَحَدًا صَارَ عَدُوًّا فِي الْحَالِ، وَالسَّبَبُ فِي نَسْخِ حُكْمِ الصَّفَاءِ أَنَّ السَّلَفَ كَانَتْ هِمَّتُهُمْ الْآخِرَةَ وَحْدَهَا فَصَفَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الْأُخُوَّةِ وَالْمُخَالَطَةِ فَكَانَتْ دِينًا لَا دُنْيَا، وَالْآنَ فَقَدْ اسْتَوْلَى حُبُّ الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوبِ فَإِنْ رَأَيْت مُتَعَلِّقًا فِي بَابِ الدِّين فَأَخْبَرْ تَقْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>