وَقَالَ أَيْضًا رَأَيْت نَفْسِي تَأْنَسُ بِخُلَطَاءَ تُسَمِّيهِمْ أَصْدِقَاءَ فَبَحَثْت التَّجَارِبَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى النِّعَمِ، وَأَعْدَاءٌ لَا يَسْتُرُونَ زَلَّةً، وَلَا يَعْرِفُونَ لِجَلِيسٍ حَقًّا وَلَا يُوَاسُونَ مِنْ مَالِهِمْ صَدِيقًا فَتَأَمَّلْت الْأَمْرَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى النِّعَمِ، فَإِذَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ يَغَارُ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ بِهِ شَيْئًا يَأْنَسُ بِهِ فَهُوَ يَكْدَرُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا لِيَكُونَ أُنْسَهُ بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعُدَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مَعَارِفَ وَلَا تُظْهِرْ سِرَّكَ لِمَخْلُوقٍ مِنْهُمْ وَلَا تَعُدَّنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشِدَّةٍ بَلْ عَامِلْهُمْ بِالظَّاهِرِ وَلَا تُخَالِطْهُمْ إلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَبِالتَّوَقِّي لَحْظَةً، ثُمَّ انْفِرْ عَنْهُمْ وَأَقْبِلْ عَلَى شَأْنِك مُتَوَكِّلًا عَلَى خَالِقِك، فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ الْخَيْرَ سِوَاهُ وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إلَّا إيَّاهُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ.
وَقَالَ مِنْ الْغَلَطِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ بِمَا لَا يَصْلُحُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَلِيَ فَيَنْتَقِمَ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ الْعَدَاوَةَ لِأَحَدٍ أَصْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ إلَى كُلِّ أَحَدٍ خُصُوصًا مَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَأَنْ يَخْدُمَ الْمَعْزُولَ فَرُبَّمَا نَفَعَ فِي وِلَايَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَالْعَاقِلُ مَنْ تَأَمَّلَ الْعَوَاقِبَ وَرَاعَاهَا وَصَوَّرَ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فَعَمِلَ بِمُقْتَضَى الْحَزْمِ، وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا تَصَوُّرُ وُجُودِ الْمَوْتِ عَاجِلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ فَالْحَازِمُ مَنْ اسْتَعَدَّ لَهُ وَعَمِلَ عَمَلًا لَا يَنْدَمُ إذَا جَاءَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ أَيْضًا مَنْ جَرَتْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مُخَاشَنَةٌ فَإِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي مُصَافَاتِهِ وَأَنْ تَأْمُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَرَى مَا فَعَلْت وَالْحِقْدُ كَامِنٌ، وَقَالَ أَمَّا الْعَوَامُّ فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْجِنْسِ فَإِذَا اُضْطُرِرْت إلَى مُجَالَسَتِهِمْ فَلَحْظَةً يَسِيرَةً بِالْهَيْبَةِ وَالْحَذَرِ، فَرُبَّمَا قُلْت كَلِمَةً فَشَنَّعُوهَا وَلَا تَلْقَ الْجَاهِلَ بِالْعِلْمِ وَلَا اللَّاهِيَ بِالْفِقْهِ، وَلَا الْغَبِيَّ بِالْبَيَانِ بَلْ مِلْ إلَى مُسَالَمَتِهِمْ بِلُطْفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute