للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا هُوَ إلَّا صَوَابٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ عَلَى دَفْعِهِ وَكَانَ آخَرُ يَأْكُلُ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْفُتَاتِ، فَجُعِلَ لَهُ فِي فُتَاتِهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ، فَاحْذَرْ مِنْ اغْتِفَالِ الْأَعْدَاءِ.

وَقَالَ أَيْضًا إنَّ أَبْنَاءَ الزَّمَانِ لَا بَقَاءَ لَهُمْ عَلَى حَالٍ بَيْنَمَا نَرَى أَحَدَهُمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّغَفِ، حَتَّى تَرَى أَحَدَهُمْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَلِ وَالضَّجَرِ، فَالْعَاتِبُ لَهُمْ ظَالِمٌ، كَمَا أَنَّ الْوَاثِقَ بِهِمْ خَائِبٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا حَقَّقَ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ يَرَاهُمْ فِي أَسْرِ الْمَقَادِيرِ مُسَلَّطَاتِ الْأَقْضِيَةِ وَالتَّصْرِيفِ، ثُمَّ الدَّهْرُ مَوْصُوفٌ بِالِاسْتِحَالَةِ فَكَيْفَ أَبْنَاؤُهُ فَإِذَا أَوْقَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَحْشَةَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَإِنَّمَا يَصْرِفُك إلَيْهِ وَيَنْدُبُك إلَى التَّعَلُّقِ بِهِ، فَاحْمَدْ إسَاءَتَهُمْ إلَيْكَ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَحْسَنُوا مَعَك الصَّنِيعَ لَقَطَعُوك عَنْهُ؛ لِأَنَّكَ ابْنُ لُقْمَةٍ وَابْنُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ أَدْنَى شَيْءٍ يَقْتَطِعُك إلَيْهِمْ.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا تَطْلُبْ مِنْ مُتَجَدِّدِ الرِّيَاسَةِ أَخَلَاقَهُ مَعَك حَالَ الْعُطْلَةِ فَيَرْفُضَك وَيُؤْذِيَك فَتَكُونَ كَالْمُعَلَّمِ يَتَخَلَّقُ مَعَ مَنْ كَانَ يُعَلِّمُهُ بَعْدَ كِبَرِهِ كَتَخَلُّقِهِ مَعَهُ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْكُتُبِ، وَذَاكَ بِمَثَابَةِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ السَّكْرَانِ أَخْلَاقَ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ لِلرِّيَاسَةِ سُكْرًا وَلَوْلَا ذَاكَ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] .

وَبَيَّنَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: ١٨] .

فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ السُّؤَالِ لَا الْأَمْرِ لِمَوْضِعِ تَجَبُّرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>