للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَوَائِرِ الشُّبَهِ وَإِيضَاحِ الْحُجَجِ لِصِحَّةِ الْمُعْتَقَدِ مَشْحُونَةً بِالْمُحَابَاةِ لِأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ تَقَرُّبًا، وَلِلْعَوَامِّ تَخَوُّنًا، وَلِلنُّظَرَاءِ تَعَمُّلًا وَتَجَمُّلًا، فَهَذَا فِي النَّظَرِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ إذَا عَوَّلْتُمْ بِالْأَفْكَارِ فَلَاحَ دَلِيلٌ يَرُدُّكُمْ عَنْ مُعْتَقَدِ الْأَسْلَافِ وَالْإِلْفِ وَالْعُرْفِ وَمَذْهَبِ الْمَحَلَّةِ وَالْمَنْشَأِ خَوَّنْتُمْ اللَّائِحَ، وَأَطْفَأْتُمْ مِصْبَاحَ الْحَقِّ الْوَاضِحَ، إخْلَادًا إلَى مَا أَلِفْتُمْ، فَمَتَى تَسْتَجِيبُونَ إلَى دَاعِيَةِ الْحَقِّ؟

وَمَتَى يُرْجَى مِنْكُمْ الْفَلَاحُ فِي دَرْكِ الْبُغْيَةِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى وَالنَّفْسِ، وَالْخَلَاصُ مِنْ الْغِشِّ؟ هَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْإِيَاسُ مِنْ الْخَيْرِ، وَالْإِفْلَاسُ مِنْ إصَابَةِ الْحَقِّ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ عَمَّتَ الْعُقَلَاءَ فِي أَدْيَانِهِمْ، مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى غَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي أَمْوَالِهِمْ، مَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشَمُّوا رِيحَ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ الشَّكِّ، وَمُجَرَّدُ التَّخْمِينِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: قَلَّ مَا رَأَيْت مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ مَنْ اشْتَغَلَ بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ، يَفُوتُهُ الْفِقْهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَرْبَهَارِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ السُّنَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ، وَلَا يُتَّبَعُ فِيهَا الْأَهْوَاءُ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِآثَارِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا كَيْفٍ وَلَا شَرْحٍ، وَلَا يُقَالُ: لِمَ وَكَيْفَ؟ فَالْكَلَامُ وَالْخُصُومَةُ وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ مُحْدَثٌ يَقْدَحُ الشَّكَّ فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ أَصَابَ صَاحِبُهُ الْحَقَّ وَالسُّنَّةَ وَالْحَقَّ، إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا سَأَلَك رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مُسْتَرْشِدٌ فَكَلِّمْهُ وَأَرْشِدْهُ، وَإِنْ جَاءَك يُنَاظِرُك فَاحْذَرْهُ، فَإِنَّ فِي الْمُنَاظَرَةِ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْمُغَالَبَةَ وَالْخُصُومَةَ وَالْغَضَبَ وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ جَمِيعِ هَذَا، وَهُوَ يُزِيلُ عَنْ الطَّرِيقِ الْحَقِّ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا وَعُلَمَائِنَا أَنَّهُ جَادَلَ أَوْ نَاظَرَ أَوْ خَاصَمَ وَقَالَ الْبَرْبَهَارِيُّ الْمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ، وَالْمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاظَرَةِ غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ تَذَكَّرُوا الْحَدِيثَ فَإِنَّ حَيَاتَهُ الْمُذَاكَرَةُ، وَفِي شَرْحِ خُطْبَةِ مُسْلِمٍ بِالْمُذَاكَرَةِ يَثْبُتُ الْمَحْفُوظُ وَيَتَحَرَّرُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>