للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ فَإِنَّهُ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا تَصْنَعُهُ إلَيْهِ، وَكَانَ يُقَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إسْرَافٌ إلَّا فِي الْمَعْرُوفِ وَكَانَ يُقَالُ لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ دَمَامَةُ مَنْ تُسْدِيهِ إلَيْهِ، وَلَا مَنْ يَنْبُو بَصَرُكَ عَنْهُ، فَإِنَّ حَاجَتَكَ فِي شُكْرِهِ وَوَفَائِهِ لَا فِي مَنْظَرِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: اصْنَعْ الْمَعْرُوفَ إلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ وَضَعْتَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَمْ أَرَ كَالْمَعْرُوفِ أَمَّا مَذَاقُهُ ... فَحُلْوٌ وَأَمَّا وَجْهُهُ فَجَمِيلُ

كَانَ يُقَالُ: مَنْ أَسْلَفَ الْمَعْرُوفَ كَانَ رِبْحُهُ الْحَمْدَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كُلِّ شَيْءٍ سَرَفٌ إلَّا فِي إتْيَانِ مَكْرُمَةٍ أَوْ اصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ أَوْ إظْهَارِ مُرُوءَةٍ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: كَانَ يُقَالُ كَمَا يُتَوَخَّى لِلْوَدِيعَةِ أَهْلُ الْأَمَانَةِ وَالثِّقَةِ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَخَّى بِالْمَعْرُوفِ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالشُّكْرِ، وَكَانَ يُقَالُ: إعْطَاءُ الْفَاجِرِ يُقَوِّيهِ عَلَى فُجُورِهِ، وَمَسْأَلَةُ اللَّئِيمِ إهَانَةٌ لِلْعِرْضِ، وَتَعْلِيمُ الْجَاهِلِ زِيَادَةٌ فِي الْجَهْلِ، وَالصَّنِيعَةُ عِنْدَ الْكَفُورِ إضَاعَةٌ لِلنِّعْمَةِ، فَإِذَا هَمَمْتَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَارْتَدِ الْمَوْضِعَ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْفِعْلِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي ذِي حَسَبٍ أَوْ دِينٍ كَمَا أَنَّ الرِّيَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي نَجِيبٍ» .

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ أَضْيَعُ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا: سِرَاجٌ يُوقَدُ فِي الشَّمْسِ، وَمَطَرٌ وَابِلٌ فِي أَرْضٍ سَبِخَةٍ، وَامْرَأَةٌ حَسْنَاءُ تُزَفُّ إلَى عِنِّينٍ، وَطَعَامٌ يُسْتَجَادُ ثُمَّ يُقَدَّمُ إلَى سَكْرَانَ أَوْ شَبْعَانَ، وَمَعْرُوفٌ تَصْنَعُهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْكُرُكَ، وَفِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ: افْعَلْ إلَى امْرِئِ السُّوءِ يَجْزِيكَ شَرًّا وَكَانَ يُقَالُ: صَاحِبُ الْمَعْرُوفِ لَا يَقَعُ فَإِذَا وَقَعَ أَصَابَ مُتَّكِئًا.

وَكَتَبَ أَرِسْطُوطَالِيسُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِ: امْلِكْ الرَّعِيَّةَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهَا تَظْفَرْ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهَا، وَطَلَبُكَ ذَلِكَ مِنْهَا بِإِحْسَانِكَ أَدْوَمُ بَقَاءً مِنْهُ بِاعْتِسَافِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إنَّمَا تَمْلِكُ الْأَبْدَانَ فَتَخَطَّاهَا إلَى الْقُلُوبِ بِالْمَعْرُوفِ، وَاعْلَمْ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>