للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسَأْنَا فِي الذَّنْبِ لَمَا أَحْسَنْتَ فِي الْعُقُوبَةِ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ أُفٍّ لِهَذِهِ الْجِيَفِ أَمَا كَانَ فِيهَا أَحَدٌ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا؟ وَأَمْسَكَ عَنْ الْقَتْلِ.

وَأُتِيَ الْهَادِي بِرَجُلٍ مِنْ الْحَبْسِ فَجَعَلَ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: اعْتِذَارِي رَدَّ عَلَيْكَ، وَإِقْرَارِي يُوجِبُ لِي ذَنْبًا وَلَكِنِّي أَقُولُ:

إذَا كُنْتَ تَرْجُو فِي الْعُقُوبَةِ رَاحَةً ... فَلَا تَزْهَدَنَّ عِنْدَ الْمُعَافَاةِ فِي الْأَجْرِ

فَعَفَا عَنْهُ.

وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى الْمَنْصُورِ فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ بِحُجَّتِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي ذَنْبٌ تَكَلَّمْتُ بِعُذْرِي وَعَفْوُكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَرَاءَتِي. وَاعْتَذَرَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ مِنْ ذَنْبٍ كَانَ لَهُ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: تَقَدَّمَتْ لَك طَاعَةٌ، وَحَدَثَتْ لَكَ تَوْبَةٌ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْكَ نَبْوَةٌ، وَلَنْ تَغْلِبَ سَيِّئَةٌ حَسَنَتَيْنِ.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ:

عَفَوْتُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ مِثْلِهِ ... عَفْوٌ وَلَمْ يَشْفَعْ إلَيْكَ بِشَافِعِ

إلَّا الْعُلُوَّ عَنْ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ مَا ... ظَفِرَتْ يَدَاكَ بِمُسْتَكِينٍ خَاضِعِ

وَرَحِمْتَ أَطْفَالًا كَأَفْرَاخِ الْقَطَا ... وَحُنَيْنِ وَالِهَةٍ كَقَوْسِ النَّازِعِ

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْيَزِيدِيُّ وَكَانَ مُعَلِّمًا حِذَاءَ دَارِ أَبِي الْعَلَاءِ وَقِيلَ لَهُ الْيَزِيدِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُ وَلَدَ يَزِيدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ فِي أَبْيَاتٍ:

أَنَا الْمُذْنِبُ الْخَطَّاءُ وَالْعَفْوُ وَاسِعُ ... وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَنْبٌ لَمَا عُرِفَ الْعَفْوُ

قَالَ ذَلِكَ يَعْتَذِرُ إلَى الْمَأْمُونِ لِأَنَّهُ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِتَأْدِيبِهِ إيَّاهُ وَوَقَفَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى حَلْقَةِ الْحَسَنِ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ فَضْلٍ، أَوْ وَاسَى مِنْ كَفَافٍ، أَوْ آثَرَ مِنْ قُوتٍ، فَقَالَ الْحَسَنُ مَا تَرَكَ أَحَدًا إلَّا وَقَدْ سَأَلَهُ. وَقَالَ أَعْرَابِيُّ آخَرُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: قَدْ جَهِدَ النَّاسُ وَأَحَاطَتْ بِهِمْ السُّنُونَ جَاءَتْ سَنَةٌ فَذَهَبَتْ بِالْمَالِ، ثُمَّ رَدِفَتْهَا سَنَةٌ بَرَتْ اللَّحْمَ، ثُمَّ رَدِفَتْهَا سَنَةٌ كَسَرَتْ الْعَظْمَ وَعِنْدَكَ أَمْوَالٌ فَإِنْ تَكُنْ لِلَّهِ فَاقْسِمْهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَإِنْ تَكُنْ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>