للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا تَخْزُنْهَا دُونَهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمِرْصَادِ، وَإِنْ تَكُنْ لَك فَتَصَدَّقْ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ.

وَسُئِلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ عَنْ: أَعْدَلِ النَّاسِ، وَأَجْوَرِ النَّاسِ، وَأَكْيَسِ النَّاسِ، وَأَحْمَقِ النَّاسِ وَأَسْعَدِ النَّاسِ فَقَالَ: أَعْدَلُ النَّاسِ مَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَجْوَرُ النَّاسِ مَنْ رَأَى جَوْرَهُ عَدْلًا، وَأَكْيَسُ النَّاسِ مَنْ أَخَذَ أُهْبَةَ الْأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَأَحْمَقُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ خُتِمَ لَهُ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ بِخَيْرٍ وَقِيلَ لِلْعَتَّابِيِّ فُلَانٌ بَعِيدُ الْهِمَّةِ. فَقَالَ: إذًا لَا يَكُونُ لَهُ غَايَةٌ دُونَ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفَعَ دَرَجَةَ اللِّسَانِ فَأَنْطَقَهُ بِتَوْحِيدِهِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ وَضَحِكَ الْمُعْتَصِمُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيِّ وَكَانَ مُفْرِطَ الْقُبْحِ فَقَالَ الْمَكِّيُّ لِلْمَأْمُونِ: مِمَّا يَضْحَكُ هَذَا؟ وَاَللَّهِ مَا اُصْطُفِيَ يُوسُفُ لِجَمَالِهِ، وَإِنَّمَا اصْطَفَاهُ لِبَيَانِهِ قَالَ {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: ٥٤] .

فَبَيَانِي أَحْسَنُ مِنْ وَجْهِ هَذَا فَضَحِكَ الْمَأْمُونُ وَأَعْجَبَهُ كَلَامُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْكَلَامُ الْجَزْلُ، أَغْنَى الْمَعَانِي عَنْ اللَّطِيفَةِ مِنْ الْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ عَنْ الْكَلَامِ الْجَزْلِ فَإِذَا اجْتَمَعْنَا فَذَاكَ الْبَلَاغَةُ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْبَلَاغَةُ أَنْ يَظْهَرَ الْمَعْنَى صَرِيحًا وَالْكَلَامُ صَحِيحًا وَقَالَ غَيْرُهُ أَفْضَلُ اللَّفْظِ بَدِيهَةُ امْرِئٍ وَرَدَتْ فِي مَكَانِ خَوْفٍ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ يَسْتَحْسِنُ الْكُتَّابُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ غَيْرَ نَاقِصَةٍ عَنْ الْمَعَانِي فِي الْمِقْدَارِ وَالْكَثْرَةِ فَإِذَا كَتَبُوا حَسُنَ عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأَلْفَاظِ غَيْرَ نَاقِصَةٍ عَنْ الْمَعَانِي وَلَا زَائِدَةً عَلَيْهَا إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِسْهَابِ وَيُسْتَحْسَنُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى إذَا كَانَ الْإِكْثَارُ أَبْلَغَ كَانَ الْإِيجَازُ تَقْصِيرًا، وَإِذَا كَانَ الْإِيجَازُ كَافِيًا كَانَ الْإِكْثَارُ عَيًّا. وَدَخَلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ يَا عُمَرُ إلَى مَنْ أَوْصَى بِكَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: أَوْصَى إلَيَّ وَلَمْ يُوصِ بِي. وَقِيلَ لِعِيسَى بْنِ عَاصِمٍ مَا الْبَلَاغَةُ قَالَ: الْإِيجَازُ.

وَقِيلَ لِلْأَصْمَعِيِّ مَا حَدُّ الِاخْتِصَارِ؟ قَالَ حَذْفُ الْفُضُولِ وَتَقْرِيبُ الْبَعِيدِ وَسُئِلَ رَجُلٌ عَنْ الْبَلَاغَةِ؟ فَقَالَ: سُهُولَةُ اللَّفْظِ وَحُسْنُ الْبَدِيهَةِ وَقَالَ آخَرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>