للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْسَنُ الْقَوْلِ أَوْجَزُهُ وَأَهْنَأُ الْمَعْرُوفِ أَوْحَاهُ.

وَقَالَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ مَا هَذِهِ الْغَيْبَةُ الْمُنْسَاةُ؟ قَالَ: أَبْقَى اللَّهُ الْأَمِيرَ فِي نِعَمٍ زَائِدَةٍ، وَكَرَامَةٍ دَائِمَةٍ، مَا غَابَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ عَنْ الْعَيْنِ مَنْ ذَكَرَهُ الْقَلْبُ وَمَا زَالَ شَوْقِي إلَى الْأَمِيرِ شَدِيدًا، وَهُوَ دُونَ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيَّ، وَذِكْرِي لَهُ كَثِيرٌ وَهُوَ دُونَ قَدْرِهِ عِنْدِي، وَلَكِنْ جَفْوَةُ الْحُجَّابِ وَقِلَّةُ بِشْرِ الْغِلْمَانِ، يَمْنَعَانِي مِنْ الْإِتْيَانِ فَأَمَرَ بِتَسْهِيلِ أَمْرِهِ وَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ.

وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَاقَتْنِي إلَيْكَ الْحَاجَةُ وَانْتَهَيْتُ فِي الْغَايَةِ وَاَللَّهُ مُسَائِلُكَ عَنْ مَقَامِي هَذَا. فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ كَلَامًا أَبْلَغَ مِنْ هَذَا وَلَا وَعْظًا أَوْجَعَ مِنْهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: الْبَلَاغَةُ فِي الْمَعَانِي أَلْطَفُ مِنْ الْبَلَاغَةِ فِي الْأَلْفَاظِ، فَيُسْتَحْسَنُ مِنْهَا صِحَّةُ التَّقْسِيمِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ» . وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى» . وَمِنْ حُسْنِ الْبَلَاغَةِ فِي الْمَعَانِي صِحَّةُ الْمَقَالِ يُؤْتَى فِي الْمُوَافِقِ بِمُوَافِقَةٍ، وَفِي الْمُضَادِّ بِمُضَادٍّ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْكُتَّابِ: فَإِنَّ أَهْلَ الرَّأْيِ وَالنُّصْحِ لَا يُسَاوِيهِمْ ذَوُو الْأَفَنِ وَالْغِشِّ وَلَيْسَ مِنْ جَمْعِ الْكِفَايَةِ الْأَمَانَةُ، كَمَنْ أَضَافَ إلَى الْعَجْزِ الْخِيَانَةَ، قَالَ بَعْضُ الْكُتَّابِ إذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَ وَجَدْتَ غَايَةَ الْمُعَادَلَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَ بِإِزَاءِ الرَّأْيِ الْأَفَنَ، وَالْأَفْنُ سُوءُ الرَّأْيِ، وَبِإِزَاءِ النُّصْحِ الْغِشَّ، وَقَابَلَ الْعَجْزَ بِالْكِفَايَةِ وَالْأَمَانَةَ بِالْخِيَانَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: الْأَفَنُ بِالتَّحْرِيكِ ضَعْفُ الرَّأْيِ وَقَدْ أَفِنَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ وَأَفِنَ فَهُوَ مَأْفُونٌ وَأَفِنَ، وَأَفَنَهُ اللَّهُ يَأْفِنُهُ أَفْنًا فَهُوَ مَأْفُونٌ قَالَ جَعْفَرٌ وَمِنْ هَذَا مَا دَعَتْ بِهِ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ وَقَدْ أُحْسِنَ إلَيْهَا فَقَالَتْ: شَكَرَتْكَ يَدٌ نَالَتْهَا خَصَاصَةٌ بَعْدَ ثَرْوَةٍ. وَأَغْنَاكَ اللَّهُ عَنْ يَدٍ نَالَتْ ثَرْوَةً بَعْدَ فَاقَةٍ.

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ ذَكَرَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ: وَمَنْ يَصْلُحُ لَهَا: فَقَالَ: يَصْلُحُ لَهَا مَنْ كَانَ فِيهِ لِينٌ فِي غَيْرِ مَهَانَةٍ، وَشِدَّةٌ فِي غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>