للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ احْذَرْ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ شَهِيٌّ كَلَحْمِ الْعُصْفُورِ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قِيلَ لِكَذَّابٍ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى الْكَذِبِ؟ فَقَالَ أَمَا إنَّكَ لَوْ تَغَرْغَرْتَ مَاءَهُ مَا نَسِيتَ حَلَاوَتَهُ، وَقِيلَ لِكَذَّابٍ هَلْ صَدَقْتَ قَطُّ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ لَا فَأَصْدُقُ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَقُّ ثَقِيلٌ فَمَنْ قَصُرَ عَنْهُ سَحَرَ، وَمَنْ جَاوَزَهُ ظَلَمَ، وَمَنْ انْتَهَى إلَيْهِ فَقَدْ اكْتَفَى» وَيُرْوَى هَذَا لِمُجَاشِعِ بْنِ نَهْشَلٍ. وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَقُّ ثَقِيلٌ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَرَكَهُ الْحَقُّ لَيْسَ لَهُ صَدِيقٌ» .

لَمَّا اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ لِمُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي اسْتِخْلَافِي عُمَرَ قَالَ: كَرِهَهُ قَوْمٌ، وَرَضِيَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ قَالَ فَاَلَّذِينَ كَرِهُوهُ أَكْثَرُ أَمْ الَّذِينَ رَضَوْهُ؟ قَالَ: بَلْ الَّذِينَ كَرِهُوهُ قَالَ: إنَّ الْحَقَّ يَبْدُو كُرْهًا وَلَهُ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: ١٣٢] وَقَالَ: الْحِكْمَةُ تَدْعُو إلَى الْحَقِّ، وَالْجَهْلُ يَدْعُو إلَى السَّفَهِ، كَمَا أَنَّ الْحُجَّةَ تَدْعُو إلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ، وَالتَّشْبِيهُ يَدْعُو إلَى الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ جَهْلِكَ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَنْ تُرِيدَ إقَامَةَ الْبَاطِلِ بِإِبْطَالِ الْحَقِّ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا يُعَدُّ الرَّجُلُ عَاقِلًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ ثَلَاثًا: إعْطَاءَ الْحَقِّ مِنْ نَفْسِهِ فِي حَالِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَنْ يَرْضَى لِلنَّاسِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ، وَأَنْ لَا يُرَى لَهُ زَلَّةٌ عِنْدَ صَحْوٍ وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

وَمَنْ ضَاقَ عَنْهُ الْحَقُّ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهْ

لَمَّا اُحْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: إنْ وَلَّيْتُكَ عَلَى النَّاسِ فَاتَّقِ اللَّهَ وَالْزَمْ الْحَقَّ فَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ إذَا وُضِعَ فِيهِ الْحَقُّ غَدًا أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ. وَحُقَّ لِمِيزَانٍ وُضِعَ فِيهِ الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>