عَلَى هَذَا وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ الْقَادِمَ يُتَلَقَّى لَكِنَّ هَذَا قَامَ فَعَانَقَهُمْ، وَالْمُعَانَقَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقِيَامِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي قَدْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَاَلَّذِي لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الْمَجِيءُ إلَيْهِ فَمَحَلُّ نَظَرٍ.
فَأَمَّا الْحَاضِرُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ مَجِيئُهُ فِي الْأَيَّامِ كَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، أَوْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ الْعَالِمِ فِي مَقْعَدِهِ فَاسْتِحْبَابُ الْقِيَامِ لَهُ خَطَأٌ بَلْ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الصَّوَابُ، هَذَا كَلَامُهُ.
وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَامُوا خَلْفَهُ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: «لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا يُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا الْقِيَامُ لِمَصْلَحَةٍ وَفَائِدَةٍ كَقِيَامِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ يَرْفَعُ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ عَنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ الْبَيْعَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ فَمُسْتَحَبٌّ.
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ وَقَالَ عَنْ الْأَنْبَارِ وَالْأَعَاجِمِ: الْقِيَامُ عَلَى رُءُوسِهِمْ شَدِيدُ الْكَرَاهِيَةِ قَالَ: فَأَمَّا وُقُوفُ مَنْ يَذْهَبُ فِي شُغْلٍ وَيَعُودُ كَقِيَامِ الْحُجَّابِ وَالْمُسْتَخْدِمِينَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَتَقَدَّمُ فِي الْأَشْغَالِ وَيَتَرَدَّدُ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعْنًى ظَاهِرٌ وَسَتَأْتِي نُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بَعْضُهَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مُوَافَقَةُ الْأَصْحَابِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ إلَّا لِلْوَالِدَيْنِ، وَبَعْضُهَا يُكْرَهُ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا لَهُ فَقَالَ: لَا تَقُومُوا لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ لَا يَقُومُونَ لَهُ لِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ. وَهَذَا كَانَ شِعَارَ السَّلَفِ ثُمَّ صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْإِهْوَانِ بِالشَّخْصِ لِذَلِكَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ لِمَنْ يَصْلُحُ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: يَنْبَغِي تَرْكُ الْقِيَامِ فِي اللِّقَاءِ الْمُتَكَرِّرِ الْمُعْتَادِ لَكِنْ إذَا اعْتَادَ النَّاسُ الْقِيَامَ وَقَدِمَ مَنْ لَا يَرَى كَرَامَتَهُ إلَّا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute