فَالْقِيَامُ دَفْعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْفَسَادِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ الْمُفْضِي إلَى الْفَسَادِ وَيَنْبَغِي مَعَ هَذَا أَنْ يَسْعَى فِي الْإِصْلَاحِ عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ فَالرَّجُلُ يَقُومُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْفَضْلُ وَالْفِقْهُ قَالَ أَكْرَهُ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا» وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ " شَرَفَ كَبِيرِنَا " وَلِلتِّرْمِذِيِّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الزَّبَادِيُّ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ تَحْتُ وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا كَافٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ،» وَسَيَأْتِي فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْقِيَامُ لَهُ وَإِنَّمَا فِيهِ إكْرَامُهُ وَتَوْقِيرُهُ فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى تَوْقِيرِ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْفَاضِلُ وَالْعَالِمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَجَاءَ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ وَكَانَ مَجْرُوحًا فَقَالَ: قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» وَفِي الْبُخَارِيِّ فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِيَامِ لَهُ بِهِ إلَيْهِ لِتَلَقِّيهِ لِضَعْفِهِ وَجِرَاحَتِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَرَكَضَ رَجُلٌ إلَى فَرَسِي وَسَعَى سَاعٍ قِبَلِي فَأَوْفَى عَلَى الْحَبْلِ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْت صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْت لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إيَّاهُ وَاَللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ يَعْنِي مِنْ الثِّيَابِ وَاسْتَعَرْت ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute