وَقَالُوا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجِدَ فِي نَفْسِهِ الْكِبَرَ فَلْيَتَعَلَّمْ النَّحْوَ، كَذَا قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَيُرْوَى أَنَّ الْمَأْمُونَ كَانَ يَتَفَقَّدُ مَا يَكْتُبُ بِهِ الْكُتَّابُ، فَيُسْقِطُ مَنْ لَحَنَ، وَيَحُطُّ مِقْدَارَ مَنْ أَتَى بِمَا غَيْرُهُ أَجْوَدُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَكَانَ الْكُتَّابُ يُثَابِرُونَ عَلَى النَّحْوِ لَمَّا كَانَ الرُّؤَسَاءُ يَتَفَقَّدُونَ هَذَا مِنْهُمْ وَيُقَرِّبُونَ الْعُلَمَاءَ، كَمَا قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ: جَاءَنِي رَسُولُ الرَّشِيدِ فَنَهَضْت وَدَخَلْت وَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، وَمُحَمَّدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَأْمُونُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْكِسَائِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُطَارِحُهُمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، فَقَالَ لِي الرَّشِيدُ: كَمْ اسْمٌ {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧] ؟
فَقُلْت: ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكَافُ الثَّانِيَةُ اسْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْهَاءُ مَعَ الْمِيمِ اسْمُ الْكُفَّارِ، قَالَ الرَّشِيدُ: كَذَا قَالَ الرَّجُلُ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الْكِسَائِيّ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَفَهِمْت؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْدُدْهُ عَلَيَّ إنْ كُنْت صَادِقًا، فَرَدَّهُ عَلَى مَا لَفَظْت بِهِ، فَقَالَ: أَحْسَنْت أَمْتَعَ اللَّهُ بِك. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ مَنْ يَقُولُ:
نَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا ... بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ
فَقُلْت الْفَرَزْدَقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: كَيْفَ يَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ كَفُّهُ؟ قُلْت: عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ نَفْلِقُ بِأَسْيَافِنَا مِنْ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا عَلَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ، فَقَالَ أَصَبْت، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْكِسَائِيّ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ: أَعِنْدَك مَسْأَلَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، لِصَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ قَالَ: هَاتِ، فَقُلْت:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
قَالَ الرَّشِيدُ: أَفَادَنَا هَذَا الشَّيْخُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ قَالَا نَعَمْ، عَلَّمَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَنَّ الْقَمَرَيْنِ هَهُنَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، قَالُوا سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ يُرِيدُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute