للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا قِيلَ: مَا اطَّرَدَ الْأَسْوَدَانِ، يُرِيدُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قُلْت: أَزِيدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السُّؤَالِ قَالَ: زِدْ قُلْت: فَلِمَ اسْتَحْسَنُوا هَذَا قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرَ مِنْ الْآخَرِ غَلَبَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأُنْسِهِ وَكَثْرَةِ بُرُوزِهِمْ فِيهِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إيَّاهُ دُونَ الشَّمْسِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، وَتِلْكَ الْقِصَّةُ فِي قَوْلِهِمْ: الْعُمْرَانِ لِطُولِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ أَفْرَغُ، وَسَمَرُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ.

قُلْت: أَفِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْكِسَائِيّ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ فِي هَذَا غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ مِمَّا أَفَدْتنَاهُ؟ قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ وَفَاءُ الْمَعْنَى، فَأَمْسَكَ عَنِّي قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ: أَتَعْرِفُ فِيهِ أَنْتَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قُلْت: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ الْغَايَةُ الَّتِي افْتَخَرَ بِهَا قَائِلُ هَذَا الشِّعْرِ قَالَ قُلْت: الشَّمْسُ أَرَادَ بِهَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، وَالْقَمَرُ ابْنُ عَمِّك مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنُّجُومُ أَنْتَ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ آبَائِك وَمَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ وَاَللَّهِ، وَالْعِلْمُ كَثِيرٌ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا فَيُفِيدَنَاهُ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمَرِيَّ لَأَبْلَغُ إلَى غَايَةِ الْفَخْرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ تَحْمِلُ إلَى مَنْزِلِ الشَّيْخِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَقَدَّمَ بِهَا مِنْ سَاعَتِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ امْتَنَعَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ مِنْ مُلَازَمَةِ السُّلْطَانِ، إجْلَالًا لِلْعِلْمِ وَغِنَى نَفْسٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَازِنِيُّ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَانَ الْخَلِيلُ مِنْ الزُّهَّادِ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى الْعِلْمِ، وَمِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ، أَرْسَلَ إلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حُبَيْتٍ الْمُهَلَّبِيُّ لَمَّا وَلِيَ، فَنَثَرَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِهِ كَثِيرًا وَامْتَنَعَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَكَتَبَ إلَيْهِ:

أَبْلِغْ سُلَيْمَانَ أَنِّي عَنْهُ فِي سَعَةٍ ... وَفِي غِنًى غَيْرَ أَنِّي لَسْت ذَا مَالِ

شُحًّا بِنَفْسِي إنِّي لَا أَرَى أَحَدًا ... يَمُوتُ هُزْلًا وَلَا يَبْقَى عَلَى حَالِ

وَالرِّزْقُ عَنْ قَدَرٍ لَا الضَّعْفُ يُنْقِصُهُ ... وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ حَوْلُ مُحْتَالِ

وَالرِّزْقُ يَغْشَى أُنَاسًا لَا طَبَاخَ لَهُمْ ... كَالسَّيْلِ يَغْشَى أُصُولَ الدِّنْدِنِ الْبَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>