كُلُّ امْرِئٍ بِسَبِيلِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ ... فَاعْمَلْ لِبَالِك إنِّي شَاغِلٌ بَالِي
وَالْفَقْرُ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْمَالِ نَعْرِفُهُ ... وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي النَّفْسِ لَا الْمَالِ
وَأَمَّا الْمَازِنِيُّ، فَأَشْخَصَهُ الْوَاثِقُ إلَى سُرَّ مَنْ رَأَى لِأَنَّ جَارِيَةً غَنَّتْ وَرَاءَ سِتَارِهِ
أَظُلَيْمُ إنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا ... أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَقَالَ لَهَا الْوَاثِقُ: رَجُلٌ، فَقَالَتْ: لَا أَقُولُ إلَّا كَمَا عَلِمْت، فَقَالَ لِلْفَتْحِ: كَيْفَ هُوَ يَا فَتْحُ؟ فَقَالَ: هُوَ خَبَرُ إنَّ كَمَا قُلْت، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: عَلَّمَنِي أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَازِنِيُّ فَأَمَرَ بِإِشْخَاصِهِ فَأُشْخِصَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: فَلَقِيَنِي يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ فَسَأَلَنِي فَأَجَبْته بِالنَّصْبِ فَقَالَ: فَأَيْنَ خَبَرُ إنَّ قُلْت ظُلْمُ، ثُمَّ أَتَى الْمَازِنِيُّ، فَأَجَابَهُ بِمَقَالَةِ الْجَارِيَةِ.
قَالَ الْمَازِنِيُّ: قُلْت لِابْنِ قَادِمٍ وَلِابْنِ سَعْدٍ، لَمَّا كَابَرَنِي: كَيْفَ تَقُولُ نَفَقَتُك دِينَارًا أَصْلَحُ مِنْ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: دِينَارًا قُلْت: كَيْفَ تَقُولُ: ضَرْبُك زَيْدًا خَيْرٌ لَك؟ فَنَصَبَ، قُلْت: فَرِّقْ بَيْنَهُمَا فَانْقَطَعَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَاثِقِ وَحَضَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت لِيَعْقُوبَ: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف: ٦٣] .
مَا وَزْنُهُ مِنْ الْفِعْلِ؟ قَالَ: نَفْعَلْ، قَالَ الْوَاثِقُ: غَلِطْت، ثُمَّ قَالَ لِي: فَسِّرْهُ، فَقُلْت: نَكْتَلْ تَقْدِيرُهُ نَفْتَعِلُ نَكْتَيِلُ فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِفَتْحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ لَفْظُهَا نَكْتَالُ، فَأُسْكِنَتْ اللَّامُ لِلْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ الْجَوَابُ، فَلَمَّا خَرَجْنَا عَاتَبَنِي يَعْقُوبُ، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا قَصَدْت تَخْطِئَتَك وَلَكِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِي هَيِّنَةَ الْجَوَابِ، وَلَمْ أَظُنَّ أَنَّهَا تَعْزُبُ عَلَيْك.
قَالَ: وَحَضَرَ يَوْمًا آخَرَ وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: يَا مَازِنِيُّ، هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: ٢٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute