وَلَمْ يَقُلْ: بَغِيَّةً وَهِيَ صِفَةٌ لِمُؤَنَّثٍ فَأَجَابُوا بِجَوَابَاتٍ لَيْسَتْ مُرْضِيَةً، فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: هَاتِ الْجَوَابَ، فَقُلْت: لَوْ كَانَتْ بَغِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ لَحِقَتْهَا الْهَاءُ إذًا لَكَانَتْ مَفْعُولَةً بِمَعْنَى: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَكَفٌّ خَضِيبٌ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ هَهُنَا لَيْسَ بِفَعِيلٍ إنَّمَا هُوَ فَعُولٌ، وَفَعُولٌ لَا تَلْحَقُهُ الْهَاءُ فِي وَصْفِ التَّأْنِيثِ نَحْوَ امْرَأَةٌ سُكُونٌ وَبِئْرٌ شَطُونٌ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةَ الرِّشَاءِ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ بَغَوِيٌّ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ نَحْوَ سَيِّدٍ وَمَيِّتٍ، فَاسْتَحْسَنَ الْجَوَابَ ثُمَّ اسْتَأْذَنْته فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ: أَلَا أَقَمْت عِنْدَنَا: فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ لِي بُنَيَّةً أُشْفِقُ أَغِيبُ عَنْهَا قَالَ: كَأَنِّي بِهَا قَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ ابْنَةُ الْأَعْشَى لِلْأَعْشَى:
أُرَانَا إذَا أَضْمَرَتْك الْبِلَادُ ... نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
وَقُلْت أَنْتَ:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي ... يَوْمًا فَإِنَّ بِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
فَوَاَللَّهِ مَا أَخْطَأَ مَا فِي نَفْسِي، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ وَأَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَفَرَّ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ الْحَجَّاجِ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إذْ سَمِعْت رَجُلًا يُنْشِدُ:
رُبَّمَا تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ ... لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ
قَدْ مَاتَ الْحَجَّاجُ فَلَمْ أَدْرِ بِأَيِّهِمَا كُنْت أَشَدَّ فَرَحًا؟ أَبِمَوْتِ الْحَجَّاجِ أَوْ قَوْلِهِ: فُرْجَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ: كَانَ مُمْتَنِعَ الْجَانِبِ قَلِيلَ الْغِشْيَانِ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى ذَكَرَهُ الْفَرَزْدَقُ وَعَيَّرَهُ الْكِبْرَ وَهَجَاهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ سَارَعَ إلَى السَّلَاطِينِ وَلَمْ يَحْمَدْ الْعَاقِبَة، مِنْهُمْ سِيبَوَيْهِ وَابْنُ السِّكِّيتِ كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَا لَمَّا وَرَدَ سِيبَوَيْهِ إلَى الْعِرَاقِ شَقَّ أَمْرُهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute