وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الرُّؤَسَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي النَّحْوِ إلَّا بَصْرِيٌّ، حَتَّى إنَّهُمْ حُجَجٌ فِي اللُّغَةِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ لِفَصَاحَتِهِمْ، وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ إلَّا عَنْ الْفُصَحَاءِ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَلَهُمْ السَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ، مِنْهُمْ أَبُو الْأَسْوَدِ وَأَبُو عَمْرٍو، وَسَمِعْت عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَاءَنِي أَنَّ خَلَفًا الْبَزَّارَ عَلَى جَلَالَتِهِ وَمَحَلَّهُ تَرَكَ الْكِسَائِيَّ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ حَرْفًا وَاحِدًا، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي تَصْنِيفِهِ كِتَابَ الْقِرَاءَاتِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ عَرَّفَنِي غَيْرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ لِي سَيِّدِي الرَّشِيدُ، فَتَرَكَهُ وَقَالَ: إنَّ إنْسَانًا مِقْدَارُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْإِجْلَالَ، لَحَرِيٌّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ الْأَصْمَعِيُّ مُتَّصِلًا بِالرَّشِيدِ وَكَانَ يُقَدِّمُهُ وَيَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ أَنَّهُ قَالَ: النَّحْوُ أَوَّلُهُ شُغْلٌ، وَآخِرُهُ بَغْيٌ، وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ، وَسِيقَ فِي فُصُولِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْكِتَابَةِ، وَيَأْتِي بَعْدَ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ أَيْضًا.
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي بَاب الِاصْطِلَاحِ الْمُحْدَثَ الَّذِي اسْتِعْمَالُهُ خَطَأٌ قَالَ: وَاسْتَعْمَلُوا يَفْعَلْ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَامِ الْأَمْرِ، وَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُقْلَبُ مَعَهُ الْمَعْنَى فَيَصِيرُ خَبَرًا، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ، وَإِنْ جُزِمَ أَيْضًا فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَامٍ إلَّا فِي شُذُوذٍ وَاضْطِرَارٍ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ الْأَمْرِ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تُضْمَرُ؛ وَلِأَنَّ عَوَامِلَ الْأَفْعَالِ أَضْعَفُ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ، وَأَنَّ مَا أُنْشِدَ فِيهِ مِنْ الشِّعْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَهُوَ:
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسِ
كَذَا قَالَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٦٤] .
قِيلَ هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَنْ حَالِهِمْ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute