للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥] .

قَالَ: كَاتِبٌ حَاسِبٌ. وَقَدْ كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَحَنْظَلَةُ الْأَسَدِيُّ وَمُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ، وَكَانَ كَاتِبَهُ الْمُوَاظِبَ عَلَى الرَّسَائِلِ وَالْأَجْوِبَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ الْوَحْيَ كُلَّهُ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ السُّرْيَانِيَّةِ لِيُجِيبَ عَنْهُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا، فَتَعَلَّمَهَا فِي ثَمَانِيَةِ عَشَرَ يَوْمًا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَاتِبِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: إذَا كَتَبْتَ فَأَلْقِ دَوَاتَكَ. وَأَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ، وَفَرِّجْ السُّطُورَ، وَقَارِبْ بَيْنَ الْحُرُوفِ.

وَقَالَتْ الْعَرَبُ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، وَقَالُوا: الْخَطُّ الْحَسَنُ يَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا.

وَقَالَ الْمَأْمُونُ: الْخَطُّ لِسَانُ السَّيِّدِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَجْزَاءِ الْيَدِ، وَأَمَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ بِسَجْنِ طَائِفَةٍ مِنْ الْكُتَّابِ عَتَبَ عَلَيْهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ طَرِيقِ السَّجْنِ:

أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَكَ فِي صَلَاحٍ ... وَعِزٍّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَا

بِعَفْوِك نَسْتَجِيرُ فَإِنْ تُجِرْنَا ... فَإِنَّك رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَا

وَنَحْنُ الْكَاتِبُونَ وَقَدْ أَسَأْنَا ... فَهَبْنَا لِلْكِرَامِ الْكَاتِبِينَا

قَالَ: فَعَفَا عَنْهُمْ وَأَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِمْ.

وَاسْمُ الْكَاتِبِ بِالْفَارِسِيَّةِ دِيوَانٌ أَيْ شَيَاطِينُ لِحِذْقِهِمْ بِالْأُمُورِ وَلُطْفِهِمْ، فَسُمِّيَ الدِّيوَانُ بِاسْمِهِمْ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِ مِائَةٍ قَالَ: مَعْنَى الدِّيوَانِ الْأَصْلُ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ وَيُعْمَلُ بِمَا فِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا سَأَلْتُمُونِي عَنْ شَيْءٍ مِنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ فَالْتَمِسُوهُ فِي الشَّعْرِ، فَإِنَّ الشِّعْرَ دِيوَانُ الْعَرَبِ، أَيْ: أَصْلُهُ وَيُقَال: دَوَّنَ هَذَا أَيْ: أَثْبَتَهُ وَجَعَلَهُ أَصْلًا. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ أَصْلَهُ عَجَمِيٌّ وَبَعْضُهُمْ يَقُول: عَرَبِيٌّ وَقَدْ ذَكَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>