للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ثم تلا وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ»

وعن أنس أنه قال في الآية: هذا في الخطو يوم الجمعة، وفسر بعضهم الآثار بالخطأ إلى المساجد مطلقا لما

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا.

وأخرج الإمام أحمد في الزهد وابن ماجة وغيرهما عن ابن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقالوا بل: نمكث مكاننا.

وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطا لا غير وقصاري ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعمها وغيرها. واستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية.

وقال أبو حيان: ليس ذلك زعما صحيحا وشنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك، وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث، ولا يخفى أن الحديثين السابقين ظاهران في أن الآية: نزلت يومئذ وليس في حديث الصحيحين ما يعارض ذلك، والعجب من الخفاجي كيف خفي عليه هذا، وقيل ما قدموا من النيات وآثارهم من الأعمال، والظاهر أن المراد بالكتابة الكتابة في صحف الملائكة الكرام الكاتبين ولكونها بأمره عزّ وجلّ أسندت إليه سبحانه، وأخرت في الذكر عن الأحياء مع أنها مقدمة عليه لأن أثرها إنما يظهر بعده وعلى هذا يضعف تفسير ما قدموا بالنيات بناء على ما يدل عليه بعض الأخبار من أن النيات لا تطلع عليها الملائكة عليهم السّلام ولا يؤمرون بكتابتها.

وفسر بعضهم الكتابة بالحفظ أي نحفظ ذلك ونثبته في علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب، ولعلك تختار أن كتابة ما قدموا وآثارهم كناية عن مجازاتهم عليها أن خيرا فخير وإن شرا فشر وحينئذ فوجه ذكرها بعد الأحياء ظاهر.

وعن الحسن والضحاك أن إحياء الله تعالى الموتى أن يخرجهم من الشرك إلى الإيمان وجعلا الموت مجازا عن الجهل، وتعريف «الموتى» للعهد والكلام عليه توكيد الموعد المبشر به كأنه قيل: إنما ينفع إنذارك في هؤلاء لأنا نحييهم ونكتب صالح أعمالهم وآثارهم ولا يخفى ما في ذلك من البعد. وقرأ زر ومسروق «ويكتب» بالياء مبنيا للمفعول «وآثارهم» بالرفع وَكُلَّ شَيْءٍ من الأشياء كائنا ما كان، والنصب على الاشتغال أي وأحصينا كل شيء أَحْصَيْناهُ أي بيناه وحفظناه، وأصل الإحصاء العد ثم تجوز به عما ذكر لأن العد لأجله.

فِي إِمامٍ أي أصل عظيم الشأن يؤتم ويقتدى به ويتبع ولا يخالف مُبِينٍ مظهر لما كان وسيكون، وهو على ما في البحر حكاية عن مجاهد وقتادة وابن زيد اللوح المحفوظ، وبيان كل شيء فيه إذا حمل العموم على حقيقته بحيث يشمل حوادث الجنة وما يتجدد لأهلها من دون انقطاع على ما نحو ما يحكى من بيان الحوادث الكونية في الجفر الجامع لكنه على طرز أعلا وأشرف، ونحو هذا ما قال غير واحد من اشتمال القرآن الكريم على كل شيء حتى أسماء الملوك ومدد ملكهم أو يقال إن بيان ذلك فيه ليس دفعة واحدة بل دفعات بأن يبين فيه جملة من الأشياء كحوادث ألف سنة مثلا ثم تمحى عند تمام الألف ويبين فيه جملة أخرى كحوادث ألف أخرى وهكذا، والداعي

<<  <  ج: ص:  >  >>