وقال أيضًا:"قد اشتهر بين علماء الأمة وعامتها أن حقيقة قول هؤلاء: إن القرآن ليس كلام الله، وهو كما اشتهر بين الأمة، وذلك أنهم يصرحون بأن حروف القرآن لم يتكلم الله بها بحال. فهذا إقرار منهم بأن نصف مسمى القرآن وهو لفظه ونظمه وحروفه لم يتكلم الله بها، فلا يكون كلامه. وإن كان قد قال بعض متأخريهم: إنها تسمى كلاما حقيقة فهم بين أمرين: إن أقروا بأنها كلام الله حقيقة مع كونها مخلوقة في غيره بطل أصلهم الذي أفسدوا به قول المعتزلة: إن الكلام إذا قام بمحل كان لذلك المحل، لا لمن أحدثه.
وأما المعاني فإنهم يزعمون أن ليس كلام الله إلا معنى واحد، هو الأمر بكل شيء، والنهي عن كل شيء، والخبر عن كل شيء، وهذا معلوم بالضرورة بعد تصوره، وهو مستلزم لأن تكون معاني القرآن ليست كلام الله أيضًا، إذا [إذ] كان هذا الذي ادعوه لا يجوز أن يكون له حقيقة، فضلاً عن أن يكون صفة لموصوف، أو يكون كلامًا، فتبين أن الله لم يتكلم عندهم بالقرآن لا بحروفه ولا بمعانيه، وهذا أمر قاطع لا مندوحة لهم عنه، وينضم إليه أيضًا أن القرآن المنزل حروفه ومعانيه هم يصرحون أيضًا بأنها ليست كلام الله، فظهر أنهم يقولون إن القرآن ليس كلام الله" (١).