وقد علم المسلمون الفرق بين أن يُسمع كلامُ المتكلِّم منه أو من المبلِّغ عنه، وأن موسى سمع كلام الله من الله بلا واسطة، وأنا نحن نسمع كلام الله من المبلِّغين عنه، وإذا كان الفرق ثابتاً بين من سمع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - منه وبين من سمعه من الصاحب المبلِّغ عنه، فالفرق هنا أولى، لأنّ أفعال المخلوق وصفاته أشبه بأفعال المخلوق وصفاته، من أفعاله وصفاته بأفعال الله وصفاته.
ولما كانت الجهمية يقولون: إن الله لم يتكلم في الحقيقة بل خلق كلاماً في غيره، ومن أطلق منهم أن الله تكلم حقيقة، فهذا مراده، فالنزاع بينهم لفظي، كان من المعلوم أن القائل إذا قال: هذا القرآن مخلوق كان مفهوم كلامه أن الله لم يتكلم بهذا القرآن، وأنه ليس هو كلامه، بل خلقه في غيره، وإذا فسّر مراده بأني أردت أن حركات العبد وصوته والمداد مخلوق، كان هذا المعنى - وإن كان صحيحاً - ليس هو مفهوم كلامه، ولا معنى قوله، فإن المسلمين إذا قالوا: هذا القرآن كلام الله لم يريدوا بذلك أن أصوات القارئين وحركاتهم قائمة بذات الله، كما أنهم إذا قالوا: هذا الحديث حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يريدوا بذلك أن حركات المحدِّث وصوته قامت بذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.