ولا ريب أنكم خير من المعتزلة حيث جعلتم المتكلِّم من قام به الكلام ... لكن المعتزلة أجود منكم حيث سمّوا هذا القرآن الذي نزل به جبريل كلام الله، كما يقوله سائر المسلمين، وأنتم جعلتموه كلاما مجازا، ومن جعله منكم حقيقة وجعل الكلام مشتركًا كأبي المعالي وأتباعه انتقضت قاعدته في أنّ المتكلم بالكلام من قام به، ولم يمكنكم أن تقولوا بقول أهل السنة، فإن أهل السنة يقولون: الكلام كلام من قاله مبتدئًا لا كلام من قاله مبلغًا مؤديًا؛ فالرجل إذا بلّغ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» كان قد بلغ كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بحركاته وأصواته" (١).
وقال أيضًا: "وبالجملة فعامة ما ذمّه السلف والأئمة وعابوه على المعتزلة من الكلام المخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم لكم [يعني الأشاعرة] منه أوفر نصيب، بل تارة تكونون أشد مخالفة لذلك من المعتزلة، وقد شاركتموهم في أصول ضلالهم التي فارقوا بها سلف الأمة وأئمتها، ونبذوا بها كتاب الله وراء ظهورهم ...
وأما الأحاديث النبوية فلا حرمة لها عندهم، بل تارة يردونها بكل طريق ممكن، وتارة يتأولونها، ثم يزعمون أن ما وضعوه برأيهم قواطع عقلية، وأن هذه القواطع العقلية تُرد لأجلها نصوص الكتاب والسنة، إما بالتأويل، وإما بالتفويض، وإما بالتكذيب.
(١) الفتاوى الكبرى (٦/ ٦٣١ - ٦٣٣) دار الكتب العلمية، ط/ الأولى، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٧ م.