للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأُلبستا لباس (الجهاد) الشرعي، ونزِّلت عليهما أحكامُه!

ولهذا؛ (الثورات) أسباب نفسية، وقد تكون من (قناعات) عقدية، و (تصورات) منهجية، ومواقف عملية، فهي تدور على تكفير (السلطة) الحاكمة، بجميع فِآتِها، اعتماداً على ظاهر بعض النصوص، وأخذها أخذاً أوّليّاً، دون مراعاة لقواعد الاستنباط السلفية، كما حصل تماماً مع التابعي يزيد ابن صهيب أبو عثمان الكوفي (١) ، المعروف بـ (الفقير) ، فإنه قال فيما أخرج مسلم في «صحيحه» (رقم ١٩١) بعد (٣٢٠) بسنده إليه:

كنتُ قد شغَفَني رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، ثم نخرج على الناس (أي: بالثورة المسلحة) ، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم -جالس إلى سارية- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا هو قد ذكر الجهنَّميِّين (٢) . قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله! ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: ١٩٢] ، و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها} [السجدة: ٢٠] ، فما هذا الذي تقولون؟

احتج هذا التابعي بآيات على مشربه، لُقِّنَها على أنها تقرر معانيَ أُخِذَت بالاستقلال دون سائر النصوص، فنبّه الصحابي الجليل جابر على خطئه المنهجي هذا، فقال له:


(١) كانت الخوارج بكثرة في الكوفة في زمن التابعين، قال العجلي في «تاريخ الثقات» (ص ٥١٧) : «نزل الكوفة ألف وخمس مئة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -» ، وقال الذهبي في «الأمصار ذوات الآثار» (ص ١٧٤-١٧٥) : «نزل جماعة من الصحابة» وسمى أعيانهم، قال: «ثم كان بها من التابعين» وسمى أعيانهم، قال: «وما زال العلم متوفراً إلى زمن ابن عقدة، ثم تناقص شيئاً فشيئاً، وتلاشى، وهي الآن دار الروافض» ، وقال في «تذكرة الحفاظ» (٣/٨٤٠) : «الكوفة تغلي بالتشيع وتفور، والسُّني فيها طرفة» .
(٢) هم قوم تحتمشهم النار، وتصل منهم على قدر أعمالهم، ثم يخرجون منها إلى الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>