(٢) الفتن تظهر على هيئة أمواج، وهذه الأمواج منها القصير ومنها الطويل، وكله يعصف، ومصداقه ما أخرجه مسلم (٢٨٩١) بسنده إلى حذيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعدُّ الفتن: «منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار» ولعل الثلاثة المذكورات موزعات في أوقات مختلفات، و (رياح الصيف) ويريد فيها بعض الشدة، وإنما خص رياح الصيف، لأنّ رياح الشتاء أقوى» قاله ابن الأثير في «جامع الأصول» (١٠/٢٩) . وشبهها برياح الصيف «لتفاوت زمنها، وسرعة مجيئها وذهابها، وكذلك التفاوت في الشدة، والآثار التي تحدثها، والله أعلم» ، كذا في «الفتنن والآثار والسنن» (ص٥٤-٥٥) و (الفتن التي تموج موج البحر) هن اللاتي «لايكدن لا يذرن شيئا» ، وهن (الفتن العامة) الواردة في جملة من الآثار -وستأتي-، ويمتاز هذا النوع بأن شرها يصل إلى جميع الناس، وتصيدهم كالأنعام، وورد ذلك في أحاديث سيأتي بعضها -أيضاً-. ومن هذا النوع: الفتن التي تدخل بيت كل مسلم، قيل فيها: هي واقعة التتار، الآتي وصفها (ص ٣٦٩ وما بعد) ، إذ لم يقع في الإسلام، ولا في غيره مثلها! كذا في «فيض القدير» (٤/٩٥) . قلت: واقعة التتر مفردة من مفرداتها، وإلا فهي كثيرة، وقد تدخل الفتن الخاصة ببلدة معينة صغيرة، تخص فئة، أو عامة تشمل الناس جميعاً.
والفتن العامة، عاصفة، تموج وتضطرب، كما يموج البحر ويضطرب عند هيجانه، ويدفع بعضه بعضاً، ولا يمكن لأحد الوقوف أمامها، وقد لا ينجو منها إلا من اعتزلها، ولذا وصفت في بعض الآثار الآتية بأنها (صماء عمياء مطبقة) ، ذلك أن هذا النوع من (الفتن) إن وقع تكون له (ظلل) ، ولذا جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد (٣/٤٧٧) ، والطيالسي (١٢٩٠) ، والحميدي (٥٧٤) في «مسانيدهم» ، وابن أبي شيبة (١٥/١٣) ، وعبد الرزاق (٢٠٧٤٧) ، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٣٠٥، ٢٣٠٦) ، والبزار (٣٣٥٣، ٣٣٥٤، ٣٣٥٥ - «زوائده» ) ، والطبراني في «الكبير» (١٩/رقم٤٤٢-٤٤٦) ، وابن قانع في «معجم الصحابة» (١٢/رقم ١٦٢٨-١٦٣٢ - ط. الباز) ، وابن حبان (٥٩٥٦) ، والحاكم في «المستدرك» (١/٣٤ و٤/٤٥٤-٤٥٥) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص١٥٢) ، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٠/١٧٢) ، والبغوي في «شرح السنة» (٤٢٣٥) ، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٥/٢٤٠٩-٢٤١٠ رقم ٥٨٩٥، ٥٨٩٦) عن كرز =