وأخيراً ... لا بد في هذ المقام من همسة في آذان القائمين بهذه التفجيرات، بل همسات، تنفذ من الأذن فتصل إلى القلب، فتخالطه وتلامس شغافه، وتبلِّل جفافه: يا هؤلاء! أتعرفون أسلافكم في أعمالكم، أتعرفون من ذهب ضحيتها، أتعرفون الهيئة التي تقومون فيها؟ ألم يذهب الضحية في غالب هذه التفجيرات إخواننا، وهم ينطقون بالشهادتين، ويصلُّون صلاتنا، ويأكلون ذبيحتنا، ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا؟ ألم يكن بعضكم -من قريب- مثل هؤلاء؟ وأسألكم -بالله عليكم-: ما الفارق بينكم وبينهم؟! لم لا تعودون إلى الوراء قليلاً، وتذكرون أنّ الذي فتح عيونكم على حقيقة الإسلام أخذ بأيديكم برفق ولين؟! والله! لقد احترتُ فيما أكتب إليكم، ولكن بعد تفكر وتروٍّ سأذكر لكم أسطورة، فتأمّلوها لعلها تنفعكم، فأقول لكم: لعلكم سمعتم أو قرأتم القصة الرمزية (الأسطورة) ، التي تتحدث عن المنافسة بين الشمس والريح، في مقدرة كل منهما على إجبار بدوي في الصحراء على خلع ردائه، فقالت الريح: أنا أقدر منك، وقالت الشمس: بل أنا أقدر منك، فدخلتا في تنافس، فأعطت الشمس الفرصة للريح، فغابت عن الكون، واختفت خلف السحب، وبدأت الريح تهب، وتزداد شدة وعنفاً، والبدوي متمسك بردائه، وكلما اشتدت؛ زاد تمسكه بردائه، وتلفلفه به، حتى عجزت الريح رغم عنفها وقوتها وأعاصيرها، فلما بان عجزها واستسلمت؛ سكنت وأعطت المجال للشمس، فأخذتْ تطلُّ بوجهها برفق من بين الغيوم، فدفىء الكون، ودخل الدفء (برفق) إلى جسد البدوي، وبدأت الشمس تزيد من حرارتها رويداً رويداً بتدرج (رفيق) ، لم يعد البدوي يطيق رداءه، فخلعه وألقاه جانباً ...