للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبلون الأمان من بني قنطوراء، «لأنفسهم وهلكوا» ؛ أي: بأيديهم، ولعل المراد بهذه الفرقة المستعصم بالله ومن معه من المسلمين، طلبوا الأمان لأنفسهم ولأهل بغداد، وهلكوا بأيديهم عن آخرهم. وقال شارح: أراد النبي صلى الله عليه وسلم بالبصرة بغداد؛ لأن بغداد كانت قرية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من قرى البصرة، إطلاقاً لاسم الجزء على الكل، فالواقعة وقعت كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أراد البصرة المعهودة فلعله يقع بعد ذلك إذ لم يسمع أن الكفار نزلوا بها قط للقتال، «وفرقة يجعلون ذراريهم» ؛ أي: أولادهم الصغار ونساءهم، «خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء» ؛ أي: الكاملون، والمعنى: أن فرقة ثالثة هم الغازية المجاهدة في سبيل الله قاتلوا الترك قبل ظهروهم على أهل الإسلام، فاستشهد معظمهم، ونجت منهم شرذمة قليلون. كذا ذكره الأشرف. وقال غيره: وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ فإنه وقع كما أخبر، وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ست وخمسين وست مئة» .

ثانياً: وقعت حوادث كثيرة قبل الاجتياح المذكور لبغداد، ثم الشام، ثم مصر، دلت على تفرق المسلمين وتشتتهم، وطمع الكفار بأطراف بلادهم، إذ كان أول خروج التتار قبل وصولهم إلى بغداد بخمسين سنة، فهم دخلوها سنة (٦٥٦هـ) ، وكان أول خروجهم سنة (٦٠٦هـ) زمن طاغية التتار الأكبر (جنكيز خان) .

قال ابن العماد في «شذرات الذهب» في حوادث سنة (٦٢٤هـ) :

«وفيها في رمضان قبل المصاف بأيام، اتفق موت جنكيز خان طاغيةُ التتار وسلطانهم الأعظمُ، الذي خرَّبَ البلاد، وأباد الأمم، وهو الذي جيّشَ الجيوشَ، وخرَجَ بهم من باديَةِ الصين، فدانَتْ له المغول، وعقدوا له عليهم، وأطاعوه -لا طاعة الأبرار للملك القهّار-، واسمه قبل الملك تمرحين (هكذا) ، ومات على الكفر، وكان من دهاة العالم، وأفراد الدهر، وعقلاء الترك، وهو جد ابني العَمِّ بركة وهولاكو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>