للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرب الأول: لا ينفك عن الإنسان في أي مكان أو زمان كان؛ وهو: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، فهذا النوع يعتريه فرط المحبة، ويسبب الشح والبخل والجبن، ويشغل عن كثير من الخير، قال بن المنيّر: «الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن في القسمة والإيثار، حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد، وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد» .

ثم قال: «وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة، وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات، ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها، لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس فيه صلاحية التكفير، ثم إنّ التكفير المذكور يحتمل أنْ يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة، ويحتمل أنْ يقع بالموازنة، والأول أظهر، والله أعلم» (١) .

وقال ابن أبي جمرة: «خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم. ثم أشار إلى أنّ التكفير لا يختص بالأربع المذكورات، بل نبه بها على ما عداها، والضابط: أنّ كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر، بل نبّه به على ما عداها، فذكر عبادة الأفعال: الصلاة والصيام، وذكر من عبادة المال: الصدقة، ومن عبادة الأقوال: الأمر بالمعروف» (٢) .

«فالحياة الدنيا كلها فتنة واختبار، شرها فتنة، وخيرها فتنة، والشهوات فتنة، تلك فتنة قائمة في جميع العصور، وتعمّ ذرية آدم في جميع


(١) «فتح الباري» (٦/٧٠٠) .
(٢) المصدر السابق. وكلامه في «بهجة النفوس» .

<<  <  ج: ص:  >  >>