للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدامى «يستعملون كلمة (منكر) على تفرد الثقة بحديث ليس له متابعٌ ولا شاهدٌ، حتى ولو كان إماماً، وهو أمرٌ يخالفهم فيه جمهورُ النقّاد، لأنهم لا يعتبرونه منكراً، إلا إذا أوقع ذلك التفرد في نفوسهم شيئاً من الريبة» (١) .

قال الحافظ أبو بكر البِرْدِيجي: «إن المنكر هو الذي يحدّث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يعرف ذلك الحديث -وهو متن الحديث- إلا من طريق الذي رواه؛ فيكون منكراً» (٢) .

والذي أُراه في هذا الباب أن هذا النوع من (الأحكام) لا ينبغي الجمود عليه، وأن ما يستجدّ من (أحداث) له صلة بفحص كلام الأئمة الأعلام، مع عدم مسّ (قواعد الاستنباط) و (قواعد الترجيح) و (قواعد التجريح) و (قواعد التخريج) ، فالقواعد هي هي، ولكن الحكم بـ (النكارة) وعدمها يتغيّر في مثل هذا النوع من شخص إلى شخص، إذ مردّها إلى (الملكة) ، وتختلف -أيضاً- من زمان إلى زمان (٣) ، وقد يدرك (المتأخر) المتأهّل ما لا يدركه (المتقدّم)


(١) «الحديث المعلول، قواعد وضوابط» (ص ٧٣) .
(٢) «شرح العلل» (ص ٢٥٢) لابن رجب.
(فائدة) أطلق التهانوي في «قواعد في علوم الحديث» (ص ٢٥٩) بأن المتقدمين يطلقون النكارة على مجرد التفرد، وقيده اللكنوي -رحمه الله- في «الرفع والتكميل» (ص ٢٠٠) بالأغلب، وهو أدق من قول التهانوي، وإن لم يسلم من تأمل، كيف والبخاري يطلقه على من لا تحلُّ الرواية عنه؟ وأبو حاتم وغيره من الأئمة يطلقه على سبيل الجرح، نعم لقد عرف عن بعضهم أنه يقوله بمعنى التفرد، ولكن مع ذلك تجد هؤلاء يطلقونه بمعنى الجرح، ومن نظر في كتاب «العلل ومعرفة الرجال» للإمام أحمد -رحمه الله-؛ علم أنه يطلق لفظ النكارة كثيراً بمعنى الجرح، والله أعلم. وانظر: «نقض قواعد في علوم الحديث» للشيخ بديع الدين السندي (ص ٣٠٧-٣٠٨) ، «شفاء العليل» لأخينا الشيخ أبي الحسن المصري (ص ١٧٣) .
(٣) قال ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص ٢٧٧ - ط. الهندية، و٢/٨٥٢ - ط. دار البشائر) في ترجمة (عبيد بن أبي قُرَّة البغدادي) : «زعم الذهبي في «الميزان» أن حديث الليث المذكور باطل» ، قال: «وفي كلامه نظر، فإنه من أعلام النبوة، وقد وقع مصداق ذلك، واعتمد البيهقي في «الدلائل» [٦/٥١٨] عليه، ... » ؛ فتأمل!

<<  <  ج: ص:  >  >>