والعجب من المفتين التناقض الشديد بينهم في هذا الميدان، واختلافهم في الجملة على حسب البلدان، ويدور مع مصالحهم دون النظر إلى مآلات الأفعال، وقد بلونا جملة من الوقائع، سمعنا فيها عجباً من أُناسٍ يشار لهم بالبنان، يتكلمون على أنهم علماء الأمة ويطلقون التكفير بمراهقة الشبان، وهم كبار كبار؛ في أسنانهم، ودعواتهم، ومناصبهم، ولكنهم -واللهِ! - ليسوا كذلك في تقعيدات العلماء وأصولهم! وأكبر مثال وأشهره -وهو مازال ماثلاً للعيان-: الجهاد في العراق لصد العدوان الأمريكي؛ فكثيرٌ من الناس أفتى بالوجوب العيني على الشباب، بناءً على أن أمريكا هي أصل الشر، و ... ، و ... ، و ... ، دون اعتبار جميع الأوصاف والقيود التي لها أثر في الفتوى؛ فالنتائج محسومة، والأمور محسوبة، والأمن للمجاهدين غير حاصل، والنظام القائم بَعثِيٌّ لا شرعي، ولو قيل بالجواز لهان الخطب، أمَّا الوجوب، والوجوب العيني؛ فهذا -واللهِ! - غفلة عما نبه ابن تيمية على ما هو دونه، ووصف غير المقاتلين للتتر آنذاك «أهل المعرفة بالدين» !
وهذا الأمر ليس خاصّاً بابن تيمية، فقد سبقه إلى نحوه العز بن عبد السلام، قال السبكي في «معيد النعم» (ص ٤٥-٤٦) : «طلب الملك المظفر سيف الدين نظر شيخ الإسلام وسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، بحضرة الملك الظاهر بيبرس والملك المنصور قلاوون وغيرهما من الأمراء، وحادَثَهُ في الخروج إلى لقاء العدو من التتار، لما دهموا البلاد، ووصلوا إلى عين جالوت، فقال له: أخرج وأنا أضمن لك على الله النصر. فقال: إن المال في خزائني قليل، وأريد الاقتراض من التجار. فقال: إذا أحضرت أنت وجميع العسكر كل ما في بيوتكم وعلى نسائكم من الحلي الحرام، وضربته على السكة، وأنفقته على الجيش، وقصر عن القيام بكلفتكم، أنا أسأل لكم الله -تعالى- في إظهار كنز من الكنوز، يكفيكم ويفضل عنكم، وأما أنكم تأخذون أموال المسلمين وتخرجون إلى لقاء العدو، وعليكم المحرمات من الأطرزة المزركشة والمناطق المحرمة، وتطلبون من الله -تعالى- النصرة، فهذا لا سبيل إليه. فوافقوه وأخرجوا ما عندهم، ففرقه وكفى، وخرجوا وانتصروا» . فعلم أن الناس لو اتقوا ربهم -عز وجل- باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وكفوا عن =