للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان راجعاً إلى قطعي؛ إلا أنَّه تخلَّف عنه خاصة من خواص القطعي، أو أكثر من خاصَّة واحدة، فهو مُخَيَّل، ومما يستفزّ العقل ببادئ الرأي والنَّظر الأول، من غير أن يكون فيه إخلالٌ بأصله، ولا بمعنى غيره، فإذا كان هكذا؛ صحَّ أن يُعَدَّ في (الملح) لا في (الصلب) ؛ لتخلّف خواصِّ (الصلب) في مثله، ومن أهم ذلك:

أولاً: عدم الاطِّراد والعموم؛ فمفردات الحوادث التي قد يصدق عليها نصٌّ ثابت في الفتن ليست مطَّردة ولا عامة في سائرها، وهذا قادح في عدّه من (صلب) العلم؛ لأنّ عدم الاطّراد يقوِّي جانب الإبعاد، ويُضعف جانب الاعتبار، ويقرّبه من الأمور الواقعة فلتة، فلا يوثق به بحيث يُبنى عليه.

ثانياً: عدم الثبوت؛ فإنه إذا حُكم في مفردة أو حادثة صَدَقَ عليها النّص في زمان أو قضيّة أو بلدة، فإنّه لا يطرد في كل حادثة إلا بقرينة، ومن فعل فقد أخطأ، وصنع باطلاً؛ إذ أطلق الحكم فيما ليس بمطلق، أو عمّ فيما ليس كذلك، فالقيود والأوصاف والأزمنة والأمكنة لها اعتبار في أحاديث الفتن، بها تخص وتقيّد وتعتبر، ولذا فالناظر في أحاديث الفتن يعدم الوثوق بثبوت الحكم واطّراده، وذلك معنى خروجها عن (صلب) العلم.

ثالثاً: عدم الحكم والبناء عليه؛ فالصلب يكون حاكماً لا محكوماً عليه، ويُبنى ويُخرَّج ويُفَرَّع عليه، أما مفردات الوقائع من الحوادث فتفيد الواقف عليها فائدة حاضرة، لا يمكن من خلالها أن يجعلها حاكمة، أو يتوصل إلى مثيلاتٍ لها من خلال ما يمكن أن يتفرع عنها؛ فإنها أصالة ليست موضوعة لذلك.


= ما انضاف إلى ذلك الصنيع من الأغراض والأهواء؛ كالإغراب باستجلاب غير المعهود، والجَعْجَعَة بإدراك ما لم يدركه الراسخون، والتّبجّح بأن وراء هذه الأمور مطالب لا يدركها إلا الخواص، وأنهم من الخواص، وأشباه ذلك مما لا يحصل منه مطلوب، ولا يرجع منه صاحبه إلا بالافتضاح عند الامتحان.
وستأتيك (ص ٧٦٠ وما بعد) كلمة عن آلية الإسقاط عندهم، وأنها قائمة على (التخيل) ، وهناك تفصيل لمعناه وأنواعه، ويظهر منه تخلف خواص (الصلب) عنه، واللَّه الموفّق.

<<  <  ج: ص:  >  >>