وقال:«وهذا الكلام محمول على وجه؛ وهو: أنّ المراد به كُتُبٌ مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير مُعْتَمَد عليها، ولا موثوق بصحتها؛ لسوء أحوال مُصَنِّفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القُصّاص فيها.
فأما كتب الملاحم؛ فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المُرْتَقبة، والفتن المُنْتَظرة غير أحاديث يسيرة اتّصَلَتْ أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضيّة، وطرق واضحة جليّة» .
فهذه الظاهرة قديمة، لها كتبها، ومُروّجوها، وأعلامها، وأساليبها، والعِلْم الصحيح -بقواعده ومنهجيته- بريء منها، وأعلامنا وعلماؤنا، وعلى رأسهم المحدِّثون منهم قالوا كلمتهم فيها، فها هو أبو الخطاب بن دحية يقول على إثر خبر من وضع هؤلاء:
«ومن أسند مثل هذا إلى نبي، عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد سقطت عدالته، إلاّ أن يبين وضعه؛ لتصح أمانته، وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم، وما كان من الحوادث، وسيكون، وجمع فيه التنافي والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أعرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يُكَذِّبُ آخِرُهَا أوَّلَها، ويتعذر على المتأول لها تأويلها، وما يتعلق به جماعة الزنادقة، ومن تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم، أنّ في سنة ثلاث مئة يظهر الدجَّال من يهودية أصبهان، وقد طعنَّا في أوائل سبع مئة في هذا الزمان، وذلك شيء ما وقع ولا كان، ومن الموضوع فيه المصنوع، والتهافت الموضوع، الحديث الطويل الذي استفتح به كِتَابَهُ؛ فهلاّ اتقى الله، وخاف عِقَابَهُ، وإنّ من أفضح فضيحة في الدين نقلَ مثل هذه
(١) هذه مقولة مشهورة لأحمد، ذكرها ابن تيمية عنه في غير ما كتاب من كتبه؛ مثل: «الرد على البكري» (١٧-١٨) ، «مقدمة في أصول التفسير» (٢١) .