للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* الإسقاط يعتريه خفاء وغموض، وبيان خطورته

من خلال ما مضى؛ يتبيَّن لنا أن الإسقاط لا يكون إلا من مجتهد، وهذا الاجتهاد يجري في محلٍّ فيه غموض وخفاء، ويحتاج إلى علم واسعٍ بالرواية، واستحضار لألفاظ المرويات، دون خلط بين النّص وحقيقته من جهة، والحدث الواقع من جهة أخرى؛ فقد يمكن أن يكون الغرضُ من الإسقاط مدروساً لصنع تصوّر ما، أو يتّخذ وسيلة لتثبيت تصور وقناعة للوصول إلى هدف معين مدروس، وغرض مقصود (١) ، فبدلاً من أن يستنار بهذه الأحاديث في ظلمات الأحداث، إذ تُستبدل لتوظّف في صنع الظلمات، والوقوع في البلبلة والجهالات، وتمرر من خلالها المخططات والمؤامرات!

والأمر المريب فيما قرأنا وسمعنا من أعمال المراهقين العابثين الخائضين: الحزم والجزم بما سيقع على هيئة (بيانات) ، وتجريدها عن الكشف وصحة البحث عما سيقع، واستسلام السذج المطلق لها، وصنع نفسيَّة معيّنة بناءً عليها، وليس مجرد التحفظ، أو حصول حدث ما، ثم البحث عن النص -بعد وقوع الحدث- وإسقاطه عليه، لا؛ إنما هو تخرص وتكهن بالغيب، وبثّ أخبار مصنوعة بين أبناء المسلمين القارئين غير الواعين العالمين، وعزوها إلى مراجع وهمية، غير حقيقية (٢) ، وخروجها فجأة، إن كان


(١) ويمكن أنْ يكون من باب إشغال المسلمين الصادقين، وصرفهم بمَلْء مجالسهم بتقرير هذه الترهات، على مبدأ ما حكاه التفتازاني في «شرح المواقف» : «إنّ طائفة من المجوس تذاكروا ما كان لسلفهم من السطوة والملك، وقالوا: لا سبيل إلى مغالبة المسلمين بالسيف؛ لقوة شوكتهم وسعة ممالكهم، لكنا نقاتلهم بتأويل شريعتهم إلى ما يطابق قواعد ديانتنا، ونستدرج به الضعفاء حتى تختلف كلمتهم ويختل نظام وحدتهم، وأول ما وضعوا في مبادئهم أنّ للقرآن ظاهراً؛ وهو المعلوم في اللغة، وباطناً؛ وهو المراد» .
(٢) مضت بك أمثلة يعرفها جيداً من يعاني النظر في المخطوطات ويتطلبها من دورها المبثوثة في أرجاء الدنيا، وهذه الأمثلة مضحكة مبكية، ولعلها هي التي أثارت لديّ الدوافع النفسيّة -بعد إعداد العدة العلمية- لتدوين هذه الورقات عن الإسقاط.

<<  <  ج: ص:  >  >>