(٢) هنا ثلاث ملاحظات مهمات، وكليّات معتبرات، وإفاضات وإضافات: الأولى: مُخطئٌ أشدَّ الخطأ من تجاوز (قواعد العلماء) باسم (التجديد) -زعموا-، ومخطئ من لم يعرف (الثابت) من (المتغيّر) من (الأحكام) ، سواء الفقهية منها أو الحديثية، ومخطئ من جمد على (النتائج) التي تَوَصّل إليها الأقدمون، ولم يلحَظْ ما استجدَّ من (أشياء) ، أو قال بما قالوا، ولم يعرف من أين أخذوا، والحق -كعادته- متأرجح بين هذين الصنفين، الغالي والجافي، وهو وسط بينهما.
الثانية: ما أشرتُ إليه نظير ما قاله الفقهاء (لا ينكر تغير الأحكام بتغيُّر الأزمان) ، وكم بودّي لو أن نابهاً متفنناً من (طلبة العلم) أفرد (الأشباه والنظائر) في كليات العلوم، وهذا يحتاج إلى شبعان ريّان منها جميعاً، ومن سبر أغوارها، ومعرفة أحوالها وأقسامها. الثالثة: من تجاوزات بعضهم: المناداة بتصحيح الحديث بناءً على موافقة الواقع له (!!) ويعجبني كلام صاحب «في ضوابط منهجية للتعامل مع النص الشرعي» (ص ١١-١٢) حيث قال بعد كلام: «ولهذا؛ فغير معتبرٍ من مجتهدٍ كائناً من كان، وضعُ منهجٍ مغايرٍ تمامَ المغايرة عن المناهج التي توصَّل إليها علماء الحديث منذ عشرات القرون، فلو اشْتَرَط لصحة الحديث وقبوله -على سبيل المثال- عدمَ مخالفته للواقع الذي يعيش فيه، أو عدمَ مخالفته لما توصَّل إليه العلمُ الحديثُ في عصرٍ من العصور، واتَّخذ ذلك الشرطَ أساساً لتصحيح وتضعيف الحديث، كان منهجه ذاك منهجاً مردوداً في أساسه، لكون واقعه لاحقاً ومختلفاً عن الواقع الذي ورد فيه النصُّ النبوي، بل لكون منهجٍ كهذا متعدياً على الأمر المقرر عند أهل العلم، وهو أنّ الواقع هو الذي يحتكم إلى النص، وليس العكس؛ لأن النص أسبق منه، ولأنّ النص أكثر منه استيعاباً، إذ هو للماضي والحاضر والمستقبل، ونصٌّ شأنُه كذلك، ينبغي أن يَحكُم على الواقع، فيعدِّلُه، ويصلحُه، ويعالج اعوجاجَه، وما هو منحرفٌ منه، وليس العكس» .