ولا يَسَعُ مختصرُنا هذا من الكلام على هذه القصة أكثرَ من هذه النبذة، والله -تعالى- أعلم بالصواب» .
فلا ريبَ أن تلك المصائب العظمى التي أزالتِ الدولةَ العباسية، وقتلت من المسلمين ما يربو عن أربعين مليوناً، وخربت تلك البلاد الزاهية العامرة، هي الشر الكبير، والمصيبة العظمى، والويل للعرب والمسلمين.
وقال ابن السبكي في «طبقات الشافعيةالكبرى»(١) مبيّناً ما أصاب المسلمين آنذاك، وأفاض في ذلك على النحو الذي ذكرناه، ثم قال:
«وقيل: إن هولاكو أمر بعد ذلك بعدِّ القتلى، فكانوا ألفَ ألفٍ وثمان مئة، النصف من ذلك تسع مئة ألف، غير من لم يُعَدّ ومن غرق، ثم نودي بعد ذلك بالأمان، فخرج من كان مختبئاً، وقد مات الكثيرُ منهم تحت الأرض، بأنواع من البلايا، والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل، ثم حُفِرَتِ الدُّورُ، وأُخِذَتِ الدفائنُ والأموال التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وكانوا يدخلون الدارَ فيجدون الخبيئةَ فيها، وصاحبُ الدار يحلفُ أنّ له السنين العديدة فيها ما علم أن بها خبيئةً، ثم طلبتِ النصارى أن يقعَ الجهرُ بشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، وأن يَفعَل معهم المسلمون ذلك في شهر رمضان، فأُلزم المسلمون بالفطر في رمضان، وأكلِ الخنزير، وشربِ الخمر، ودخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً -لعنه الله-، واستمر على فرسه، إلى أن جاء إلى سُدَّة الخليفة، وهي التي تتضاءلُ عندها الأسودُ ويتناوله سَعْدُ السُّعودِ، كالمستهزئ بها، وانتهك الحُرَمَ من بيت الخليفة وغيرِه، وأعطى دار الخليفة لشخص من النصارى، وأُريقت الخمور في المساجد والجوامع، ومُنِع المسلمون من الإعلان بالأذان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذه بغدادُ، لم تكن دارَ كُفرٍ قَطُّ، جرى عليها هذا الذي لم يقع منذ