للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الاستغاثة في الرد على البكري» (٢/٦٣١) -وهو يتكلم عن حال المسلمين عند قدوم التتر عليهم، مصوّراً مخالفاتهم العقدية-:

«وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدعون الأموات ويسألونهم، ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم؛ لأنهم إنّما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم فيدعونه دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم بدعائه، أو الدعاء به، أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم لله ودعائهم إياه؛ فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف، حتى إنّ العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم، وقال بعض الشعراء:

يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عمر ... ينجيكم من الضرر» .

قال:

«فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا، كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد؛ فإنه كان قد قضى أنّ العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمة كانت لله -عزَّ وجلَّ- في ذلك» .

ثم قال -وهذا هو موطن الشاهد-:

«ولهذا كان أهل المعرفة بالدِّين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولِمَا يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة في القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة، لمن عرف هذا وهذا، وإنْ كان كثيرٌ من المقاتلين الذين اعتقدوا

<<  <  ج: ص:  >  >>