فأخلعَ على بعضهم خِلَعاً ظاهُرها رضىً وصفا، وباطُنها مكرٌ وجورٌ وجَفا، فلما تمثلوا كلَّهم بين يديه، أقبل يخاطبُ كل واحد بما لَديه، ثم أشار بمسك الجميع، بعد التهديد والتقريع، وأخذ جميع ما في القلعة من الحواصِل والأموال من الذهب والفضة والقماش والسلاح والأثقال، ومسك أعيان الشهباء وقضاتِها وكبراءَها وولاتها، واستخلَص منهم أموالاً تعجز عن حصرها العقولُ والأفهام، ويَكِلُّ عن ضبطها الحِسابُ بالأقلام، وأقام عليها عشرين يوماً يسقيهم عذاباً أليماً، ويعاقِبُهم عقاباً عظيماً، فصارت الشهباءُ عبرةً للنّاظرين، وموعظةً للمتذكرين، فكأنها وقد صاح بها صائح فإذا أهلُها خامدون، ولسان حالها يقول: يا حسرة على العباد الذين كانوا بالأمس في أمن راغدين، فـ:{إنّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: ٤٦] .
وقال في (٢/٨٢-٨٦) تحت عنوان: (ذكر دخول السلطان دمشق وخروجه منها وما جرى عليه وعلى عسكره وعلى المسلمين) ما نصه:
«ولما كان بتاريخ يوم الخميس السادس من جمادى الأولى، دخل السلطان الملك الناصر وصحبته العساكر المنصورة المصريون إلى دمشق، واستقرّ ركابُه في القلعة، وكان تمرلنك قد أتى إلى تحت جبل الثلج.
وفي يوم السبت جاءت من عند تمرلنك طائفة زهاءَ عشرة آلاف فارس، ومقدّمتهم رجلٌ يقال له السلطان حسين، فتقدم إليهم من عسكر السلطان جماعة، فتقابلوا وقتلوا منهم خلقاً، فولّوا منهزمين، ولم يتحرّك تمرلنك من منزِله ذلك مدة أيام، وكان كلَّ يوم يخرج من عسكره شِرذمة إليهم ويقرُبُون