ثم رجعوا منها وتوجهوا إلى بهسنا، وهم يفسدون في كل موضع ينزلون فيه، وفي أطراف كل بقعة وأرجائها، وأثناء كلِّ طريق وأنحائها، بحيث لم يَسلمْ منهم مقيم من أهل الحضر، ولا مسافرٌ من أهل الخبَا والوبَر، إلى أن نزلوا على بهسنا وأطرافها وأذاقوا أهلها العذاب من أوضاعِها وأشرافِها، وأفسدوا فيها فساداً عظيماً، وبغَوْا على أهلها بغْياً جَسيماً.
ثم رحلوا عنها بعد أن أقاموا عليها عشرين يوماً متوجهين إلى مدينة عينتاب، موصلين إلى أهل تلك البلاد من أنواع العذاب، فقدِمُوا عليها وأخرَبوا دُورها، وأحرقُوا أسواقها، وهدّوا أبراج قلعتها.
ثم رحلوا منها -بعد أن أقاموا عليها أربعة أيام- متوجهين إلى حلب، طالبين لأهلها جميع الشرّ والنّصَب، وكل ذلك في أوائل السنة» .
وقال في (٢/٧٤-٧٧) تحت عنوان (ذكرُ مجيء تمرلنك على حلب وأخذها) :
«بتاريخ الحادي والعشرين من ربيع الأول، وصل بَريديٌّ من الشام إلى الأبواب الشريفة، وأخبر بأنَّ تمرلنك حضر إلى حلب، واحتاط بها يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الأول، معه العساكر ما لا يحصيهم إلا الله -عزَّ وجلَّ- من سائر الطوائف: من الخراسانية، والسَّمْرَقندية، والقحطانية، والمغل، والتراكمين، وغيرهم من المفسدين والكفار ما لا يَعرِفون اللهَ ... -تعالى- ولا رسوله، فنزلوا على حلبَ وأرجائِها، واشْتملُوا على أطرافها وأنحائها، بحيثُ صارَت بقعةُ حلبَ الشهباء مظلمةً كالليلة الدهماء، فَخرَجَتْ من العساكر المنصورة طائفةٌ بمثلها مقرونة، وتقاتلوا مع طلائعهم المفسدة، فتحاربوا وتشاجروا، وتخابطوا وتعابطوا، وتراموا بالحجارة والنبال، وتقابلت النساءُ والرجالُ، وارتفعت الأصواتُ كما يلبي العُمّار والحجيج، وجُرحَتْ ناسٌ كثيرون، وسُفكت دماءٌ غزيرة، فافترقوا على ذلك، وخواطِرُ المسلمين في همٍّ وغمٍّ من ذلك.