ويقول بعض معاصرينا عن أماكن وجودهم في زماننا:«وقد انقرض الخوارج إلا طائفة من الإباضية تقيم جهة عُمان، وفي جزيرة جربة تجاه تونس، وفي جنوبي الجزائر»(١) .
فصل
الخروج في عصرنا
هذه ومضة تاريخية سريعة، لا يسمح المقام بأكثر منها حول الخوارج، ولا بد من التنويه -أيضاً- على (ظاهرة الخروج في عصرنا) ، فإنّ بسببها أُريقت دماء، وأُزهقت أرواح، تحت مسمى (الجهاد) و (القتال في سبيل الله) ، وهي ظاهرة لها أسبابها ودوافعها، وهي في غاية التعقيد، ومن خلالها يظهر صحة ما عليه العلماء الربانيون وأئمة السنة في ترك الخروج على الحكام؛ إذ أن التغيير والإصلاح لا يتعلق بوجود القوة، أو الجماعة القادرة على الثورة، ولا على التخريج الفقهي لجواز الخروج، أو وجوبه، أو منعه، وإنما يتعلق بأمر آخر، أهمّ من هذا كله؛ وهو: تفكك المجتمع الإسلامي، وظهور العصبيات الجاهلية فيه، وتحكم الشُّبهات والشهوات في المسلمين، وبُعدُهم عن أحكام دينهم الحنيف اعتقاداً وعملاً؛ بُعداً يجعلهم -في أنفسهم- أحقرَ من أن تَسْمُو همَّتهم للعمل على إزالة المنكرات، وإقامة العدل، ويجعلهم عند ربِّهم أقلَّ شأناً من أن يستحقوا التكريم الإلهي بالحكم بشريعته، التي هي مصدر الأمن والاستقرار، وسبب الخير والرخاء؛ {وَكَذلك نُوَلّي بعضَ الظالمين بعضاً بما كَانوا يَكسِبون}[الأنعام: ١٢٩] ، {إنّ اللهَ لا يُغَيِّر مَا بِقَوم حَتّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم وإذا أرادَ اللهُ بِقَوم سُوءاً فلا مَرَدَّ له ومَا لَهُم مِن دونه مِن وَالٍ}[الرعد: ١١] » .