ففي هذا الحديث فائدة مهمة، وهي أن الفتن تقع وكأنها (الظلل) وهي السحاب، تحيط بالناس من كل جهة، وأن الناس سيضرب بعضهم رقاب بعض، كما تنصب وترتفع الحية السوداء على الملدوغ فتلدغه، وهذا تفسير سفيان عند أحمد، وكذا شيخه الزهري، عند الحميدي والبيهقي وابن عبد البر. فالفتن لها ظلل تنال من دين الخائض فيها، ولا سيما وهي (سوداء) و (عمياء) و (مطبقة) لا يظهر لها قبل من دبر، ولا ظهر من وجه، وكأنها حيات مصبوبة على الناس من السماء (وأساود: حيات، جمع أسود، إذا أرادت أن تنهش ارتفعت هكذا، ثم انصبت، وقال القرطبي في «التذكرة» (٦٢٥) نقلاً عن ابن دحية: «وهو الذي يميل ويلتوي وقت النهش، ليكون أنكى في اللدغ وأشد صبّاً للسُّم» ، وشبهت بها الفتن لشدة سوادها وكثرتها، وعظم شأنها، وأنها يتبع بعضها بعضاً، فهي متراكمة كالظلل، وأكثر ما يظهر ذلك عند تقاتل المسلمين، وسفك بعضهم دماء بعض، كما حصل في سلسلة الحروب التي ظهرت في (العراق) ، وانقسم المسلمون على إثرها إلى مؤيد ومعارض، وخيمت الفتنة فترة من الزمن، وظهرت شجاعة المسلمين على بعضهم البعض، وهم أذلاء جبناء مع عدوهم، فإلى الله المشتكى، ولا قوة إلا بالله العظيم!