للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا علمنا أنّ أمواج البحر تتكاثر وتتعاظم، مع شدة الريح وانتشار السحاب؛ فإنّ لنا أنْ نتصور جو الفتن بأنه جو مظلم، فالذي يشاهد موج البحر العاتي فتبدو أمامه زرقة البحر مع ظلمة السحاب وكثرته، مع شدة هبوب الرياح وقوتها؛ فكذلك الذي يواجه هذه الفتن، تحيط به الظلمات والأعاصير، فهو مهموم مغموم ظاهراً وباطناً، وللموج صوت وأي صوت؟ ولهذه الفتن صوت، لا يسمع الواقف فيها صوت ما عداها، وإنما تطبق عليه، فهي كالصاخة، فيظل الواقف فيها حيراناً خائفاً قلقاً، يتطلع إلى الأمان ولا يجده، وهل ينجو من البحر وشدة موجه إلا من بعد عنه، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «فخير الناس يومئذ: مؤمن معتزل في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويذر الناس من شره» (١) .

والناس حين يواجهون أمواج البحر مجتمعين، في أية حالة من حالاته، فإنه يسمع لهم صراخ وعويل وتهارش وتخاصم، لا يسمع الواحد منهم الآخر، وكل يريد أنْ ينجو بنفسه، وقد يُغرِق الواحدُ منهم غيرَه لينجو هو» (٢) .

«ولعل هذا ما كنى به الحديث من شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة» (٣) .

والجامع لجميع مجريات الفتنة وأحداثها: البلاءُ والنُّكران (٤) في حقِّ مَنْ


(١) سيأتي تخريجه، وفي الباب أحاديث كثيرة. خرجت بعضاً منها في تعليقي على «العزلة والانفراد» (رقم ١٥، ١٦، ١٧، ١٨) .
(٢) «موقف المسلم من الفتن» (ص١٠٧-١٠٨) .
(٣) «فتح الباري» (٦/٧٠١) .
(٤) أشار النووي في «شرحه على صحيح مسلم» (٢/١٧١) إلى قول حذيفة «فأسكت القوم» بسبب أنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، وإنما حفظوا النوع الأول. وورد في حديث عبد الله بن عمرو الطويل: «وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها» ، وسيأتي ذكره وتخريجه وبيان فوائده، والحمد لله على آلائه ونعمائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>