أقول: لا تحتاج هذه النصوص -وهي غيض من فيض- إلى شرح أو تعليق، فهي واضحة صريحة، تكشف حقيقة الأسس التي بنى عليها سيد قطب فكره، ثم جاء من بعده أتباعه فزادوا فيها من الغلو والتطرف ألواناً، فلا عجب أن يُلغُوا:(وجود الأمة الإسلامية) ، ويتجاوزا (أولي الأمر فيها) ؛ فينظروا إلى ورثة الأنبياء، الذين وقَّفوا حياتهم على خدمة كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، علماً وعملاً، وتفقهاً وتفقيهاً، وتعليماً ودعوة، وبذلوا -ومازالوا يبذلون- كل ما في استطاعتهم من أجل نشر دعوة التوحيد والسنة، ومحاربة مظاهر الشرك والبدع التي ابتليت بها معظم طوائف الأمة، لا عجب أن يعتبروا ذلك عملاً سفيهاً، وجهداً ضائعاً، ودعوة تنبئ عن جبن أولئك العلماء، وعجزهم، وإشغالهم أنفسهم بما لا يغضب الحكام خوفاً منهم، وخضوعاً لهم!!
نعم؛ لهذا وجدت في العالم الإسلامي أجيال من المسلمين ثائرة على الأمة، متمردة على العلماء، ساخرة من جهودهم في العلم والدعوة، لا ترى الدين إلا في (الحاكمية)(١) -فبها فسر سيد قطب كلمة التوحيد! - فلا يقيسون الأمور إلا من خلالها، ولا يُقيِّمون الأشخاص إلا في ضوئها، ولا يحملون هدفاً في الحياة سوى الوصول إليها!
وهكذا انحسر الخطاب الديني في الأمة، وتاه كثير من الناس في المسالك المهلكة، وكان ذلك من أعظم المصائب التي نزلت بالمسلمين.
ورغم ذلك كله؛ فإنّ ما حققه علماء الأمة في العصر الحديث -بدءاً بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وحتى يوم الناس هذا- في إحياء منهج الأنبياء، وإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم، والخروج بهم من ظلمات الممارسات الشركية، والعبادات البدعية، والضلالات
(١) انظر -لزاماً- (فتاوى العلماء) حول هذا المصطلح وجعله من (أنواع التوحيد) ! في جريدة «المسلمون» ، العدد (٦٣٩) ، الجمعة ٢٥/ذو الحجة/١٤١٧هـ.