وأما أهل الحلة والكوفة فإنهم انتزحوا إلى البطائح بأولادهم وما قدروا عليه من أموالهم، وحضر أكابرهم من العلويين والفقهاء مع مجد الدين بن طاوس العَلَوي إلى حضرة السلطان وسألوه حقن دمائهم فأجاب سؤالهم، وعَيَّن لهم شِحْنَةً فعادوا إلى بلادهم وأرسلوا إلى من في البطائح من الناس يُعَرِّفونهم ذلك، فحضروا بأهلهم وأموالهم، وجمعوا مالاً عظيماً، وحملوه إلى السلطان، فتصدق عليهم بنفوسهم.
وأما واسط؛ فإن الأمير بغاتمر انحدر إليها بعساكره، وانتهى فيها إلى قَريب البصرة، فقتل ونَهَب وسَبَى، وكان الولاة والنُّقباء وأكبار الناس قد انحدروا بأهلهم وأموالهم إلى البصرة والبطائح فَسَلِموا.
قيل: إنَّ عدة القتلى ببغداد زادت على ثمان مئة ألف نفس عدا من ألقي من الأطفال في الوحول ومن هلك في القني والآبار وسراديب الموتى جوعاً وخوفاً، ووقع الوباء فيمن تخلَّف بعد القتل من شم روائح القتلى وشُرب الماء الممتزج في الجِيَف. وكان الناس يُكثرون من شم البصل لقوة الجيفة وكثرة الذُّباب فإنه ملأ الفضاء، وكان يسقط على المطعومات فيفسدها، وكان أهل الحلة والكوفة والسِّيب يجلبون إلى بغداد الأطعمة، فانتفع الناسُ بذلك، وكانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة والصُّفر المُطَعَّم وغيره من الأثاث بأوهى قيمة، فاستغنى بهذا الوجه خلق كثير منهم.
ورحل السلطان من بغداد في جُمادى الأولى عائداً إلى بلاده ومقر ملكه، وفوّض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر وجعله شحنة بها، وإلى الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي، وصاحب الديوان فخر الدين ابن الدَّامَغاني، ونجم الدين أحمد بن عِمران وهو من أهل باجِسرى كان يخدم في زمن الخليفة عاملاً، فاتصل الآن ببعض الأمراء، وحَضَر بين يدي السلطان، وأنهى إليه من حال العراق ما أوجب تقديمه وتشريفه وتعيينه في الأعمال الشرقية؛ وهي