للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي بعض الأعيان أن ابن العلقمي أنفذَ أحد أصحابه وفتح ذلك النهر على جيش المسلمين، والله أعلم، فدهمهم عسكرُ هلاكو ليس لهم منجى، فلم ينج منهم إلا من نجت به دابته من المياه والأوحال، وألقى عالَمٌ عظيمٌ أنفسَهم في دجلة طلباً للسلامة، فهلكوا لمّا نُقِلَ اللأمَةُ، وغلقت أبواب سور بغداد، ونصب عليه المجانيق (١) ، وصَعَد من تخلّفَ ببغدادَ مِنَ الرَّمْيِ، ويقولون: الحالُ ينصلحُ -إن شاء الله- فلا تظهروا (٢) حرباً، فبقي أياماً كذلك، ثم عاد إلى بغداد، وعسكرُ هلاكو يبالغون ويرمون المجانيق (١) ، حتى صعدوا على السور وتمكنوا من البلد، ثم ذكرَ خروجَ ابنِ العلقمي إليهم، ثم رجوعَه وخروجَ الخليفةِ وابنِه إليهم، ثم قَتْلَ الخليفةِ ووقوعَ السيفِ في بغدادَ، قال: وعمل السيفُ في بغداد مدّةَ شهرٍ وعشَرةِ أيام، ولم ينجُ إلا الطفيف من أهل بغداد، وإلا أهل الحلة والكوفة، فإن أكابرهم توصلوا إلى هلاكو في الطاعة والانقياد، وقضى الله سلامة أهل البصرة لعدم تمكُّنِ العسكر من العبور إليهم بطريق المد والجزر، ومَسحَ السيفُ من عداهُم من أهل الضياع وغيرهم سوى النصارى، وخلَتْ بغدادُ من أهلها، واستولى عليها الحريقُ فحرقت المحالُّ والأسواقُ، واحترقت دارُ الخليفة والجامعُ الكبير بها، حتى وصلت النار إلى خزائن الكتب الخاصة، وعمّ الحريقُ أكثر الأماكن حتى القصور البرانية؛ مثل الحلة وترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة، وشوهد يختُ مدفن الإمام المستنصر بالله عظام الخلفاء ورؤوسهم وآثار الحريق وشوهد على بعض حيطانها

مكتوب:

إنْ تُرِد عبرةً فهذي بنو العباس دارت عليهم الدايرات

استُبيحَ الحريمُ إذ قُتِل الأحيا ... ء منهم وأُحرِقَ الأموات


(١) في الأصل: «مناجيق» !
(٢) في الأصل: «تظهرون» !

<<  <  ج: ص:  >  >>