غدَتْ نارهُ في الجوِّ تعلُو وَتَرْتَقي ... كأنّ لها عندَ النُّجوم أمَاني
ولو لمَ تكُنْ نارُ الأعَادِي لما غَدَتْ ... وخَبآتُها بادٍ لكلِّ بنَان
ولا صبَغَتْ بالزعفران قميصَها ... سروراً بها ولا طارَتْ بكل لسان
فيا لَسيوف المكفن كيف باد، وفتتت به الأكباد، وأين بأسُه الشديد، ومنافعه التي لا تبيد، وبالسيوف الخيم كيف ذهب، وعدم النصر على الكافرين فتَبَّتْ يدا أبي لهب، لقد تمسكت النارُ بأطْنابه وتجلّدَ بها، والنار تحت ثيابه وياما حصل لها ولأهلها، من ضرْبٍ بسِياط كَشَطَ غِلَظَ جِلدِهم، وأوْهى قُوى شجاعتهم وجلَدهم، كم فيه من أَسوَدِ اللحية فتَق جلدَه الشيبُ، وخُطّ على جنبه ما كان مخبوءاً له في الغيب، وكم من عالم في الذل بالهزء واليد، وكم من تاجر يقاد وهو في قيد، وكم من شاب يستَغيبُ وهو ينقلُ التراب، وكم من شيخ يصيح وهو في العِقَاب، وكم من صغير تحت سنابك الخيل طريحٌ، وكم من فقير من الجوع يصِيح، وكم من بِكر قد أزيلَت عذرَتُها، وكم من مخدَّرة قد هُتك سِترها، وكم من غنيّ كان يُطعم الناسَ ويعطيهم، فصار اليوم يسألُ الناسَ ويسْتَعطِيهم، وكم من عزيز وصاحبِ رفْعَة وشأنٍ، صار اليوم في قهرٍ وخذلان، فصار أهلُها ما بين كسير وطريح، وأسير وجريح، فصاروا كبني إسرائيل في القضايا، سُلِّطَ عليهم أنواعُ البلايا، قهرُ تمرلنك وأسرُه وخرابُ الدور والبقاع، ووقوعُ الحريق في الأصقاع، وسبْيُ الحريم والأطفال، واستِعباد النساء والرجال، والغلاءُ المفرِطُ الشامل، والبردُ والثلجُ والمطر النازل.
ثم بعد ذلك كلِّه جرادٌ منتشر وموت ذريع، وخوف مستمر وضَنْكٌ منيع، آيات بينات فيها عبر وتنبيه، ولم تزل دمشقُ ترى أموراً عجاباً، ولسان حالها يقول:{يا لَيْتَني كُنتُ تُرَاباً}[النبأ: ٤٠] ، فَلَعِبَتْ فيها التمرلنكية يميناً وشمالاً، في أرضها: وهاداً وجِبالاً، ولم يزل خيلُهم ورَجِلُهم تركض من باب الشَّهباء،